للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أعمال السبعين ألفًا.

وقوله: ((وَلَا يَسْتَرْقُونَ) أي: لا يطلبون من أحدٍ أن يرقيهم؛ لأن الرقية فيها ميل إلى الغير، والتفات القلب إلى المخلوق، وإن كان الاسترقاء جائزًا، وهؤلاء الذين يدخلون الجنة بلا حساب لأنهم لا يفعلون الذي هو خلاف الأولى، فلا يطلبون من أحد أن يرقيهم، والهمزة والسين والتاء في الفعل: (اسْتَرقَى) وهو الماضي من قوله: ((يَسْتَرْقُونَ)) للطلب، يعني: لا يطلبون أحدًا أن يرقيهم، ولكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك وتعيَّن طريقا للعلاج فلا بأس، فَيُحمل هذا على أنه يكون عند عدم الحاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل عليه السلام (١)، وأمر أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن تسترقي لأولاد جعفر من العين (٢)، وإن لم يطلب جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرقيه، كما يقال: آخر الطب الكي.

وقوله: ((لَا يَكْتَوُونَ)) الكي فيه تعذيب بالنار، فهم يجعلون الكيَّ آخِرَ الأمر، إذا لم يجدوا غيره في الطب يستعملونه؛ وذلك لما فيه من التعذيب بالنار، كما يقال: آخِرُ الطبِّ الكيُّ، إذا لم تجد غيره فلا بأس؛ لما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ- أَوْ: يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ- خَيْرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ)) (٣)، فإذا دعت الحاجة إليه بأن تعيَّن للعلاج فلا بأس، لكن لا يبدأ به الإنسان، بل يجعله آخِرَ العلاج.

وقوله: ((وَلَا يَتَطَيَّرُونَ)) هذا من الأعمال الشركية، والتطير هو: التشاؤم بالمرئيات أو المسموعات، بأن يتطير بشيء فيرده عن حاجته، أو يمضيه في حاجة بعد عدوله عنها، وهذا هو التطير، كما في الحديث: ((إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا


(١) أخرجه مسلم (٢١٨٦).
(٢) أخرجه مسلم (٢١٩٨).
(٣) أخرجه البخاري (٥٦٨٣)، ومسلم (٢٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>