للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قولها: ((فَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ)): أفتت عائشة رضي الله عنها شريح بن هانئ بما أفتاها به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عائشة رضي الله عنها فقيهة حريصة على العلم، وكانت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته كانت تسأل أباها، وتسأل عمر رضي الله عنهم، فَحَصَّلَتْ من هذا علمًا كثيرًا؛ ولذا فقد صوبت فهم شريح بن هانئ وأوضحت له أن العبرة في محبة لقاء الله عز وجل تكون عند نزع الروح بعد أن يعرف الإنسان ما ينتظره.

وحديث: ((مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ)): رواه أربعة من الصحابة هم: عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها، وأبو هريرة رضي الله عنه، وأبو موسى رضي الله عنه.

هذه الأحاديث فيها: إثبات المحبة، والكراهية لله عز وجل، وأنهما صفتان من صفاته سبحانه وتعالى الفعلية، خلافًا لمن أنكرهما من الجهمية، والمعتزلة، ومن تأولهما من الأشاعرة كالنووي (١) على الطريقة التي درج عليها الأشاعرة من تأويل الصفة بأثرها، فأولوا المحبة بالثواب، وأولوا الكراهة بإبعادهم عن رحمته، وإنما إجزال الثواب أثر من آثار مجبته لله، وكذلك الإبعاد من الرحمة أثر من آثار كراهة الله.

وفيها: أن العبرة في محبة لقاء الله عز وجل عند نزع الروح بعد أن يُكشف للإنسان عن مستقبله، فهذه هي الحالة المعتبرة بالمحبة والكراهية؛ لأن المؤمن والحالة هذه يحب لقاء الله عز وجل، ويحب اللهُ عز وجل لقاءه، والكافر يكره لقاء الله عز وجل، ويكره اللهُ عز وجل لقاءه، وليس المراد: كراهية الموت في حال الحياة، أو في حال المرض، أو في أول الموت قبل وصول الروح إلى الحلقوم، فالإنسان قد جُبِلَ على هذا؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: ((فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ ! فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ)).

وفيها: أن الموت قبل لقاء الله عز وجل، ثم بعد ذلك يلاقي الإنسان ربه.


(١) شرح مسلم، للنووي (١٧/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>