للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يمكن وقوعه، كالجمع بين النقيضين، قالوا: لأن الظلم هو تصرفُ المالك في غير ملكه، أو مخالفةُ الآمر، والله تعالى لا شيء في الوجود إلا وهو يملكه، كما أنه تعالى ليس فوقه آمر، فإذا تقرر هذا فإنه لا يمكن أن يقع الظلم منه سبحانه وتعالى.

وقد بنى الأشاعرة على هذا التعريف: أنه يجوز على الله أن يقلب التشريعات؛ فيجوز أن يُحرِّم التوحيد، ويبيح الشرك، ويجوز أن يُبيح الزنا، ويحرم العفة، كما أنه تعالى له أن يقلب الجزاءات؛ فله أن يبطلَ حسنات الأبرار والمتقين والأنبياء، ويُحمِّلَهم أوزارَ الفجار والمشركين. قالوا: وكل هذا لا يُعدُّ ظلمًا منه تعالى؛ لأنه تصرف في ملكه (١).

هذا تقرير كلامهم في هذه المسألة، وهو من أعظم الغلط، كما سبق بيانه قريبًا.

وأما المعتزلة فقد شبهوا الله تعالى بخلقه، فقالوا: الظلم الذي يقع من الله تعالى مثل الظلم الذي يقع من المخلوق، فما كان ظلمًا قبيحًا من المخلوق إذا فعله فإنه يكون ظلمًا قبيحًا منه تعالى لو فعله (٢).

وأما أهل السنة فقالوا: الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، كأن ينقصَ أحدًا من حسناته، أو يُحمِّلَه أوزارَ غيره، وعلى ذلك فالظلم منه تعالى ممكن، وليس مستحيلًا، فهو تعالى قادر على الظلم، لكنه حرمه على نفسه ونفاه عنها؛ تنزُّهًا وتكرمًا منه سبحانه وتعالى.


(١) قواعد العقائد، للغزالي (ص ٢٠٤).
(٢) الأصول الخمسة، للقاضي عبد الجبار (ص ٣١٥ - ٣١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>