ولما قال الساكتون:{لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا}، فهذا لا يفيدهم، بل هم هالكون، قالت الطائفة المنكِرة: لا، بل فيه فائدة، وهي:{معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}.
فإنكار المنكر له فائدتان:
الأُولى: الإعذار إلى الله تعالى {معذرة إلى ربكم}.
الثانية: رجاء زوال المنكر {ولعلهم يتقون}.
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا للقائمين على حدود الله، وللواقعين فيها، فقال:((مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا)) (١)، أي: إذا أخذوا على أيديهم ولم يتركوهم يخرقون السفينة نجوا، وإذا تركوهم يخرقون السفينة دخل الماء وغرق أهل الدور الأول وأهل الدور الثاني جميعًا، فكذلك أهل المعاصي إذا تُركوا هلكوا وهلك من سكت عنهم، وإذا أخذوا على أيديهم وأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر سلم العصاة من العقوبة وسلم غيرهم.