حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ- يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ)) قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:((الْقَتْلُ الْقَتْلُ)).
قوله:((يَا أَحْنَفُ، ارْجِعْ)): هذا ظن من أبي بكرة رضي الله عنه أن قتال علي ومعاوية رضي الله عنهما داخل في قوله: ((إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ)).
والصواب كما سبق: أنه ليس داخلًا فيه، وأن الحق ظاهر مع علي رضي الله عنه، والمراد بهذا الحديث: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما في قتال الفتنة التي لم يتبين فيها الحق من غيره.
وقوله:((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ)): المراد بالفئتين: فئة أهل العراق: علي رضي الله عنه وأصحابه، وفئة أهل الشام: معاوية رضي الله عنه وأصحابه.
وقوله:((وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ))، أي: كلّ فئة منهما تدعي أنها على الحق.
فعلي رضي الله عنه هو الخليفة الذي بايعه أكثر أهل الحل والعقد، يدعي أنه هو المحق، وأن أهل الشام بغاة، وأهل الشام يطالبون بدم عثمان رضي الله عنه، ويدَّعون أنهم محقون.
قال النووي رحمه الله:((((إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّار)): معنى تواجههما، أي: ضرب كل واحد وجه صاحبه.
وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له، ويكون قتالهما عصبيةً ونحوها، ثم كونه في النار معناه: أنه مستحق لها، وقد يجازَى بذلك، وقد يعفو الله تعالى عنه، هذا مذهب أهل الحق، وقد سبق تأويله مراتٍ، وعلى هذا يتأول كل ما جاء من نظائره.
واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق: إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأوِّلون، لم يقصدوا معصية