إلى قيام الساعة، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، وذكر حذيفة رضي الله عنه أنه نسي بعض ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا وقع ما ذكره من الفتن تذكَّر كلامه صلى الله عليه وسلم، كما يتذكر الإنسان وجه الإنسان حينما يغيب عنه وينساه، فإذا رآه تذكَّره، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأمور كائنة، فنسوا بعضها، فلما وقعت تذكَّروها.
وهذا قول عظيم منه عليه الصلاة والسلام، يوم كامل يخطب الناس، فلما صلى الفجر صعد إلى المنبر، وخطب في الناس حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى الظهر، ثم صعد المنبر فخطب في الناس حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى العصر، ثم صعد المنبر، فخطب في الناس حتى غربت الشمس، وأخبرهم بما هو كائن.
وهذا الأمر كان بوحي من الله عز وجل لتعليم الناس ما يكون، وهذه الصفة في الموعظة شيء قليل ونادر في أحواله صلى الله عليه وسلم؛ إذ الأغلب في خُطَبه عليه الصلاة والسلام أن تكون قصيرة، كما أرشد الخطباء إلى ذلك بقوله:((إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا)) (١)، أي: دليل على فقهه.
وفي هذا الحديث: أنه صلى الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب بوضوء واحد، وهذا الفعل لا بأس به؛ فتجديد الوضوء لكل صلاة مستحب، وليس بواجب.