للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاستجمار كما تقدم، والثاني: استدل به الظاهرية على وجوب الاستنثار.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((فليجعل في أنفه ماءً، ثُمَّ لينتثر)) ففيه دلالةٌ ظاهرةٌ على أن الاستنثار غير الاستنشاق.

قوله: ((لينتثر)) فيه متمسك لأحمد وإسحاق على وجوب الاستنشاق في الوضوء والغسل، والجمهور على أن ذلك من السنن فيهما متمسكين فيه بأن فروض الوضوء محصورة في آية الوضوء، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: ((فتوضأ كما أمرك الله)) (١) وليس في الآية ذكر الاستنشاق، وبدليل أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اقتصر في وضوئه على الأعضاء الأربعة، ولم يزد عليها، وذلك يدل على أن غيرها من الأعضاء ليس فعله بواجب، وبدليل أن المأمور به حقيقةً في قوله: ((ثم لينتثر)) هو الاستنثار، وليس بواجب بالاتفاق.

واستدل الموجبون- أيضًا- بالرواية الأخرى ((إذا توضأ فليستنشق بمنخريه من الماء، ثُمَّ لينثر)) (٢) وفيها دلالةٌ ظاهرةٌ على وجوب الاستنشاق، ولكن حمله على الندب محتملٌ؛ ليجمع بينه وبين الأدلة الدالة على الاستحباب، والله أعلم.

وهذا عمدة أحكامنا في قولهم بحصر الوضوء في ستة، فإن النية مفهومة من قوله تعالى: {إذا قمتم} أي: إذا أردتم القيام، والماء المطلق في قوله: {ولم تجدوا ماء}، والأربعة الأعضاء نص عليها في الآية، وما عدا ذلك من أحكام الوضوء فمأخوذ من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها متأكَّد ويسمى سنةً، وغير متأكد ويسمى فضيلة، كما هو معروف في كتب أصحابنا.


(١) أخرجه أبو داود (٨٦١)، والترمذي (٣٠٢) وحسنه.
(٢) فتح الباري (١/ ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>