وقوله:((وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ))، يعني: لم يبق منها إلا الشيء اليسير، والصبابة هي: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء.
وقوله:((وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لَا زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ))، يعني: أنتم في دار ستزول، وستنتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فاستعدوا بالعمل الصالح؛ ليكون زادًا لكم، حتى تنتقلوا بخير ما بحضرتكم.
وقوله:((فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا)): هذا يدل على بُعد قعر جهنم- ولا حول ولا قوة إلا بالله- ومع ذلك قال:((وَوَاللَّهِ لَتُمْلَأَنَّ، أَفَعَجِبْتُمْ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً)).
وقوله:((وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ))، يعني: تمتلئ من كثرة من يدخلها.
وقوله:((وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا))، يعني: أصابها جروح، وقروح بسبب الحرارة، فعتبةُ بنُ غزوانَ رضي الله عنه يتذكر حالته السابقة في أول الإسلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أصابه من الشدة وقلة ذات اليد.
وقوله:((فَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا، وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا، فَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ))، أي: قطعت الإزار نصفين بيني وبين سعد بن مالك رضي الله عنه، وهو ابن أبي وقاص، وهذا يدل على شدة الفقر والحاجة التي كانوا عليها، ثم بعد ذلك تغيرت الأحوال وفُتِحَت الفتوح، ومُصِّرت الأمصار، وصار كل واحد منا أميرًا على مصرٍ من الأمصار، ولكنهم رضي الله عنهم كانوا في جميع أحوالهم على خير عظيم، ولن يكون أحد بعدهم مثلهم؛ ولهذا قال:((فَسَتَخْبُرُونَ، وَتُجَرِّبُونَ الْأُمَرَاءَ بَعْدَنَا)): ستخبرون: من الخبرة وهو العلم،