للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: ((فَجُحِشَ) يعني: جُرِحَ، وقد جُرح شقُّه الأيمنُ عليه الصلاة والسلام؛ لأنه سقط عن فرسه، وورد أنه قد سقط عن ناقته في بعض الغزوات هو وزوجته صفية رضي الله عنها (١)، وهذا فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بإله، لكنه بشر، يصيبه ما يصيب البشر من الأسقام والأمراض والسقوط، ويحتاج ما يحتاجه البشر من الأكل والشرب والبول، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}.

وفي هذا الحديث: رد على من قال: إنه صلى الله عليه وسلم نور، وإنه جزء من نور الله، فبعض الغلاة يقولون: إنه ليس بشرًا، وأقبح من ذلك وأشد من قال: إنه جزء من الله عز وجل- نعوذ بالله- وهذا قول الملاحدة الكفار.

ومنهم من قال: إنه صلى الله عليه وسلم سراج حسي: والرد عليه، أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي في غرفة في بيته، وفقدته عائشة رضي الله عنها، فقد قالت: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ورِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي، وَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: والبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ (٢).

فلو كانت تراه رضي الله عنها ما احتاجت إلى أن يغمز صلى الله عليه وسلم، فهو- إذن- نور معنوي، هو نور الإيمان الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، بإذن الله.

ومنهم من يعبد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويزعم أنه يعلم الغيب، فكل هذا كفر بالله- نسأل الله العافية، قال الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.

فالرسول صلى الله عليه وسلم نبي كريم، اختاره الله واصطفاه بالرسالة فوجبت محبته وطاعته، وهو نبي كريم تصيبه الأمراض والأسقام؛ ليعظم الله له الأجر، ولتقتدي به أمته.


(١) أخرجه البخاري (٥٩٦٨)، ومسلم (١٣٤٥).
(٢) أخرجه البخاري (٣٨٢)، ومسلم (٥١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>