للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في هذه الأحاديث: بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر، ليس برب، ولا إله يعبد، بل هو بشر يصيبه ما يصيب البشر، كالنسيان والأمراض وغيرها، أما الرب سبحانه وتعالى فلا ينسى، كما قال الله: {لا يضل ربي ولا ينسى}، والله تعالى منزه لا يلحقه النسيان؛ لأنه كامل، ولا يحتاج إلى شيء، ولا يحتاج إلى أحد، فهو غني عن العالمين سبحانه وتعالى، بخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه عبد، يأكل ويشرب، لكنه نبي كريم، يطاع ويتبع، ولا يعبد فالعبادة حق الله؛ ولهذا قال: ((وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) وقال الله تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد}.

وهذا من رحمة الله تعالى بعباده: أن جعل نبيه ينسى؛ حتى يكون فعله تشريعًا للأمة؛ ليعلمهم ماذا يعملون إذا حصل لهم النسيان.

وقوله: ((فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ)) هذا إذا كان عنده غلبة ظن، فيبني على غلبة الظن، ويتحرى الصواب، وفي رواية النسائي: ((فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ)) (١)؛ فإنه يبني على غلبة الظن، ويتم الصلاة، ثُمَّ يسلم، ثُمَّ يسجد سجدتين، ثُمَّ يسلم، بخلاف حديث أبي سعيد رضي الله عنه الذي سبق فيما إذا كان عنده شك، ولم يكن عنده غلبة ظن؛ فيبني على اليقين، وهو الأقل، ويكون السجود قبل السلام.

وفيه: دليل لمن يقول: إنه يعمل بغلبة الظن، ولا يبني على اليقين في هذه الحالة وهو الأقل، فيكون الجمع بينه وبين الحديث السابق أنه يعمل باليقين- وهو الأقل- إذا كان عنده شكٌ، فإن كان عنده غلبة ظن عمل به، ثُمَّ يسجد سجدتين بعد أن يسلم، كما في رواية النسائي، وهذا هو الصواب.


(١) أخرجه أحمد (١٧٥٢)، والنسائي (١٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>