للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: ((فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ) أي: جمع نفسه حتى يدخل من هذه الفتحة؛ لأن البستان لم يكن له أبواب، ولا منافذ، إلا منفذ الماء هذا، فدخل منه أبو هريرة رضي الله عنه.

وفي رواية بالراء (فاحتفرت) يعني: حاول أن يدخل، وكانت الفتحة غيرَ واسعة، فحفر ودخل البستان. ورواية الزاي ((فَاحْتَفَزْتُ)) هي الصواب، والأقرب من حيث المعنى، ويدل عليه تشبيهه لفعله بفعل الثعلب (١).

وقوله: ((فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ)) هذه بشارة عظيمة لأهل التوحيد، ولكن لا بد من هذا القيد ((مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ))، أما من قالها بشك وريب فلا تنفعه يوم القيامة، لكن تنفع من عرف معناها وعمل بمقتضاها، وعَبَد اللهَ بإخلاص، ولم يقع في عمله شرك، ولم يفعل ناقضًا من نواقض الإسلام، فهذا الذي بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة.

وأما من مات من أهل التوحيد على كبيرة من الكبائر فهو من أهل الوعيد، وتحت مشيئة الله سبحانه، قال تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلًا كريمًا}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)) (٢).

وفي هذا الحديث: بيان نظر عمر رضي الله عنه القوي في المصلحة العامة، لمَّا رأى أبا هريرة رضي الله عنه يبشر الناس بأن من قال: (لا إله إلا الله) دخل الجنة، فخشي أن يتكل الناس، ويتركوا العمل، فأراد أن يرد أبا هريرة رضي الله عنه عن هذا؛ فلهذا ضربه في صدره ضربة سقط على أثرها للخلف على استه.

وفيه: دليل على أن عمر رضي الله عنه اجتهد في هذه المسألة، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الاجتهاد.


(١) شرح مسلم، للنووي (١/ ٢٣٦).
(٢) أخرجه مسلم (٢٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>