للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيًا: التشابه الكامل في اللفظ والمعنى أيضًا لا يدل على القول بأن اللاحق أخذ من السابق حتى يثبت الاتصال المباشر أو غير مباشر بين الحضارتين، لأن التشابه قد يكون في اللغة دون المعنى، وفي هذه الحالة لا يكون أثرًا بل هو استعارة لأن الألفاظ مشاعة بين الناس يتداولونها. وإذا حدث التشابه في المضمون فذلك أيضًا لا يمكن تسميته أثرًا وتأثرًا دون تحديد معنى الأثر لأن إمكانية التأثر من اللاحق بالسابق موجودة أي أن الشيء نفسه موجود ضمنًا في الظاهرة، وما كانت الظاهرة السابقة إلا مثيرًا أو مقويًا ووجود الباعث والمثير لا يعني وجود الشيء نفسه (١).

إضافة إلى ما مضى من إمكانية وجود التشابه الذي هو ليس من نتيجة الأثر والتأثر. هناك حقيقة ثابتة تغيب عن أذهان كثير من المستشرقين وقد يتجاهلها بعض الكتاب المسلمين، وهي أن الدين منذ أن خلق الله آدم إلى أن جاء خاتم الأنبياء والرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دين واحد، وهو الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (٢) وقال أيضًا: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (٣).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم "الأنبياء إخوة علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد" اهـ (٤).

لم يأت في الدنيا خير إلا بواسطة هؤلاء الأنبياء الكرام، ومهما اختلفت شرائعهم فدينهم واحد وهو الإسلام، فالخير أينما وجد فهو من الإسلام وليس الإسلام منه، ما من خير إلا هو أثر من آثار الإسلام، فالإسلام مؤثر وليس متأثر. وجاءت الشريعة المحمدية


(١) ينظر التراث والتجديد لـ د. حسن حنفي ٧٨ - ٨٠.
(٢) سورة آل عمران: ١٩.
(٣) سورة الشورى: ١٣.
(٤) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل عيسى عليه السلام ٨/ ١٢٨ (٢٣٦٥).