للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اعتمد السيد في منهجه الجديد على نظرية التطور الدارويني، وربما هو أول مفكر مسلم يحاول التوفيق بين أفكار داروين في التطور وبين مبادئ الإسلام، خاصة فيما يتصل بقصة الخلق وارتقائه عند ربط نوع بآخر من الكائنات يذكر السيد أنه قد عبِّر عنه في القرآن بالمني، وهو كناية عن ركيزة الحياة وأشير إلى المني إلى مبدأ الخلق، وأما اللفظ الصريح الدال على خلق آدم وهبوطه من الجنة فهو للتقريب إلى أذهان الناس، وهذا أسلوب الكتب الإلهية ولفظة آدم كناية عن مظهر الإنسانية (١).

واعتبر الدين مجرد وسيلة لبث الأخلاق الفاضلة في الإنسان واعتبر الوحي جزءًا بسيطًا من حواس الطبيعة الإنسانية وعلاقة الإنسان بالوحي مُعضلة لا تنحل إلا أن الإنسان اجتماعي الطبع من بين أكثر الحيوانات ونظام الاجتماع من أساسياته الفطرية ضابطة الأخلاق وبدونها لا يتصور المجتمع، والعقل والقانون الملهم وتطابقها من ضروريات الحياة الإنسانية، والإدراك الشعوري يؤدي إلى التجسس وراء العلم الحديث، ويعمل عمل الإلهام الطبيعي، وهذا الشعور يجعل الإنسان يتصور الإله، ويميز بين الخير والشر ويؤمن بالحشر والجزاء بعد الموت، وكلما يتقدم المجتمع تاريخيًا تُنقش هذه الجبلية الإلهية على ذهن الإنسان في صورة التماثيل (٢).

وفي تصوره للنبوة سلك مسلك غالبية المستشرقين النصارى واليهود ويرى أن العقل وإلهاماته ليس على مستوى واحد عند كل إنسان وهناك أناس قد توجد هذه الملكة فيهم على مستوى راقٍ، وهؤلاء هداة الإنسانية في صورة الفلاسفة والساسة والمدبرين والفقهاء، والصوفيين المتميزين والحلقة الراقية الأخيرة لهذه السلسلة الأنبياء، وتمثلت فيهم هذه الملكة في أرقى صورها، وسميت المكاشفات المصادفة في الشرع بأسماء متعددة منها جبرئيل، والنبي قد يكون صادقًا وقد يكون كاذبًا، فالنبي الحق يهدي أتباعه إلى الخير والنبي الكاذب يسوق أتباعه إلى الكذب (٣).


(١) ينظر تفسير القرآن للسيد ٣/ ٧٦.
(٢) ينظر المرجع السابق: ٣/ ١١ - ١٢.
(٣) ينظر المرجع السابق: ٣/ ١٤ - ١٣، ١٦/ ٣٧ - ٣٦.