للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن الله عز وجل قد أغنانا عن مثل هذه الفروض والتخمينات بكتابه العزيز الذي فيه علم غزير عن تاريخ العقيدة الإلهية في البشر، بعد أن هبط آدم إلى الأرض قد أنشأها الله ذرية كانت على التوحيد الخالص، قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (١).

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين" اهـ (٢).

وبعد أن كان الناس أمة واحدة على التوحيد حصل الزيغ والانحراف، فبعث الله نوحًا أول رسولٍ بعد الانحراف، عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (٣) قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وانتسخ العلم (نسي ودرس) عبدت" اهـ (٤).

فالتوحيد أولًا ثم التعدد والشرك وليس العكس كما تدعيه المنهجية الجديدة من أن التعدد أولًا ثم التوحيد ثم انشق الطريق إلى الإلحاد (٥).


(١) سورة البقرة: ٢١٣.
(٢) رواه ابن جري عن محمد بن بشار، قال: ثنا أبو داود قال: ثنا همام بن منبه، عن عكرمة عن ابن عباس (جامع البيان للطبري ٢/ ٣٣٤) ورواه الحاكم في مستدركه من حديث بندار عن محمد بن بشار ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه (تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/ ٢٥٧).
(٣) سورة نوح: ٢٣.
(٤) صحيح البخاري مع الفتح: ٨/ ٦٦٧ (٤٩٢٠).
(٥) كما أثبت ذلك د/ عمر سليمان الأشقر في كتابه "العقيدة في الله" ينظر ص: ٢٦٧ وما بعدها.