للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول أيضًا: "كانت عقائد الإنسان الأولى مساوية لحياته الأولى وكذلك كانت علومه وصناعاته، فليس أوائل العلم والصناعة بأرقي من أوائل الأديان والعبادات، وليس عناصر الحقيقة في واحدة منها بأوفر من عناصر الحقيقة في الأخرى" اهـ (١).

ثم أخذ يستعرض آراء الباحثين في تاريخ العقيدة: منهم من يرى أن السبب في نشأة العقيدة هو ضعف الإنسان بين مظاهر الكون وأعدائه، ومن قوى الطبيعة والأحياء ....

وبعضهم يرى أن العقيدة الدينية حالة مرضية في الآحاد والجماعات ويرى البعض أن أصل العقيدة الدينية عبادة "الطوطم" كأن تتخذ بعض القبائل حيوانًا "طوطما" تزعمه أبًا لها، وقد يكون شجرًا أو حجرًا يقدسونه، إلى آخر تلك الفروض التي قامت في أذهان المستشرقين الباحثين الغربيين (٢).

ومن ثم تأثر من تأثر أمثال السيد بهذه المنهجية الغربية الاستشراقية فقالوا: إن العقل البشري يمكن به الوصول إلى معرفة خالق الكون وذلك عند انعدام العلم لكثير من أسباب اختلاف هذا الكون، فالمستحسن في هذا الأمر أنه اعترف بالدليل العقلي في معرفة الخالق، ولكنه ترك ما كان عند السلف من الأدلة العقلية. واتخذ ما قدمته المنهجية الغربية دليلا، وهو لا يشعر أن هذا الدليل يشق الطريق إلى الإلحاد، وهو أن يقال: عند عجز معرفة الإنسان أسباب تقلبات الكون ينسبها إلى الله عز وجل، وإذا عرف الإنسان أسباب هذه التقلبات فهل ينكر الإله؟

هذا في الحقيقة ليس شبهة وإنما هو استنتاج مما ذهب إليه السيد من استخدام الدليل العقلي لمعرفة الخالق متأثرا بالمنهجية الاستشراقية، وهذا الدليل قد استخدمته المنهجية الغربية التي لا علم لها عن تاريخ العقيدة، فتخبطت في معرفة الخالق، وتحديد بداية عقيدة الإله، فهل كانت بدايتها بالتعدد أو بالتوحيد؟


(١) ينظر كتاب "الله" لعباس محمود العقاد، ص: ١٠.
(٢) المرجع السابق ص: ١٠ وما بعدها.