للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قوله: ما الطريقة التي تبدأ بها قوة الله الخالقة في الخلق؟ فالسؤال بهذه الصيغة لا يليق ولا ينبغي مع الله عز وجل، لأن قوة الله الخالقة هي صفة من صفات الله الأزلية الأبدية، فلا يقال كيف بدأت أو تبدأ هذه القوة، إذ أن البحث عن بدايتها يشير إلى عدم وجودها قبل بدايتها، وهذا ممتنع على الله عز وجل لأنه هو الأول والآخر مع كل أسمائه الحسنى وصفاته العليا، بل إنما يقال: كيف بدأ الله الخلق؟ ولنا قدوة في الإمام البخاري رحمه الله عند ما أورد في صحيحه كتاب بدء الخلق (١).

وفي العبارة إشارة أيضا إلى أن للإنسان نصيبا في الخلق وقد صرح الدكتور محمد إقبال بهذه الفكرة في غير واحد من الأماكن في تأليفاته المختلفة، وإذا أريد بالخلق تحويل شيء من صفة إلى صفة فنحن متفقون مع الدكتور لأن الله تعالى قد أعطا الإنسان مثل هذه القدرة، فالخشبة مثلًا بعد أن كانت في الشجرة يحولها الإنسان بالنجارة إلى باب.

ولكن قصد الدكتور إقبال هو الخلق الذي يختص به الله عز وجل من الايجاد وتبديل الأعيان من عين إلى أخرى، فالإنسان عند إقبال ليس فقط حرًا في أن يختار ويسلك بل إن له كذلك القدرة الكاملة على الخلق، ويستدل على ذلك بأن الله تعالى وصف نفسه بأنه {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} مما يعني وجود خالقين آخرين بجانب الله وهو إنسان (٢).

لأن لا يكون هذا اتهاما على إقبال نذكر أقوال بعض الباحثين الذين درسوا إقبالًا وفهموا هذا الفهم نفسه من كلامه، فقد درس عبد الكريم الخطيب فكرة إقبال الخلاقة وكتب كتابا سماه: "الله والإنسان"، فيقول فيه: "إن إقبالًا تهبَّ عليه أحيانا عواصف مزمرة من المعتقدات الكثيرة المتضاربة في بيئته، فما زال جاهدا أن يدفعها بكلتا يديه .... لكن قد لا تمر هذه العواصف دون أن تثير فيه مثارا! !


(١) ينظر صحيح البخاري مع الفتح ٦/ ٢٨٦.
(٢) ومن الأماكن التي ذكر هذه الفكرة من كتبه، أسرار خودي ص: ٢٦، ٢٩، ٥٠ - ٥٤، وبال جبريل، ص: ٢٩ - ٤٤، ٥١، ٥٥، ٨١.