للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهو هنا يدعي أن المادة بطبيعتها قادرة -بما أودع الخالق فيها- أن تفجر طاقاتها المودعة فيها بنفسها، وبتقدير مضبوط محكم اقتضته إرادة الخالق منذ الأول .... وأنه عن هذا التوالد، والتطور تتخلق الجوهر ... من نفس وروح وعقل!

إلى هنا والأمر هين، وللقول مساغ من العقل لا يصادم شيئا من مقررات الشريعة .... ولكنه يحتج إلى الغلو حين يقول: والذات الأولى التي تجعل المولود يتولد، حاضرة في الطبيعة حالّة فيها! يصيغها القرآن بأنها {الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} وهذا القول فيه تحريف للكلم عن موضعه، وفيه ريح من القول لمذهب الحلول.

وفي هذا يقول إقبال: "كما أنه ليس ثمة وجود على مستوى روحي أو جسمي بحت، بمعنى أن تكون لهذا الوجود مادية تعجز بجوهرها عن تفجير التركيب الخالق الذي نسميه الحياة والعقل، وتفتقر إلى: "ألوهية" خارقة للعادة تلحقها بالمحسوس والمعقول، .. إن هذا الوجود المادي البحت غير موجود ......

وهل يساغ أن يكون ما يعتقده إقبال وهو المسلم التقي أن تكون للمادة عامة بكل شيء؟ لا نظن .... ولكنها عثرة دعا إليها الحرص على مائدة الآراء العلمية بآيات القرآن وأحاديث الرسول" اهـ (١).

قد حاول الكاتب أن يوجد مساغا لإقبال ولكن بدون جدوى، لأن الفلسفة الغربية المتأثرة بالاستشراق، والصوفية الغالية في الشاعر الفيلسوف قد عملتا فعلتهما، وإن نجا من منزلق وقع في آخر، هذا ما علمته البيئة التي نشأ فيها الشاعر والمعامل الأوربية التي درس فيها.

فيقول إقبال عن نفسه: "كنت أميل بالطبع والنشأة إلى الصوفية التي كان عليها آبائي، وازداد هذا التوجه وقوي عندما درست في أوربا لأن الفلسفة الأوربية بجملتها توجه المرء إلى وحدة الوجود" اهـ (٢).


(١) الله والإنسان لعبد الكريم الخطيب دار الفكر العربي ص: ١٧٧ - ١٧٩.
(٢) تصوف كي حقيقت (حقيقة التصوف) لغلام أحمد برويز إدارة طلوع إسلام لاهور، ط / ٣، ١٩٩٢ ص: ٢٧٦.