للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأكبر دليل قدمه السيد لزعمه بأن العرش معناه السلطة والملك: أن الرازي وغيره من أئمة أهل الكلام أخذوا هذا المعنى في آيات الاستواء فعليهم أن يأخذوا هذا المعنى نفسه عند كل موضع ذكر فيه العرش، إذ أن حقيقة العرش بدون الاستواء لا فائدة فيها، فالعرش والاستواء ليسا على حقيقتهما.

ثم قال: قد يتعارض دعوانا مع أربع آيات في القرآن الكريم، وقد يقال فيها إنها تتضمن للعرش وصفًا يجبرنا القول بأنه مثل سرير الملك موجود في الخارج، والآيات الأربع هي: في سورة الزمر آية: ٧٥، وفي سورة الحاقة آية: ١٧، وفي سورة غافر آية: ٧، وفي سورة هود آية: ٧.

فآية الزمر قد ذكرت فيها عظمة الله وجلاله على سبيل التصوير التمثيلي، وقد ذهب إلى هذا المعنى بعض المفسرين كصاحب الكشاف (١)، قال تعالى {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (٢) فمن المعروف بداهة ليس لله قبضة ولا يمين إنما هو تصوير تمثيلي أو استعارة أو مجاز.

وأما آية الحاقة فقد جاء فيها ذكر يوم القيامة وما يحدث فيها من أهوال فقال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} (٣)


(١) ينظر على سبيل المثال قول الزمخشري تحت قول الله تعالى {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ .... }: "وإنما ضحك أفصح العرب صلى الله عليه وسلم، وتعجب لأنه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان من تصور إمساك ولا إصبع ولا هز ولا شيء من ذلك، ولكن فهمه وقع أول شيء ولآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة. (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل لمحمود بن عمر الزمخشري، دار الريان للتراث ط/٣، ١٤٠٧ - ١٩٨٧: ٤/ ١٤٣).
(٢) سورة الزمر: ٦٧.
(٣) سورة الحاقة: ١٣ - ١٧.