للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يمجد الإنسان فوق منزلته، فرفع الإنسان إلى حد أن غير المتناهي نفسه قد جاء في حجر المتناهي، ثم تناسي مكان الرب الحقيقي الذي هو العرش العظيم، وأثبت له مكانًا لطيفًا في الكون لا في خارجه ولا متصل به ولا منفصل عنه وله علاقة بكل جزء من أجزاء الكون كعلاقة الروح بالجسد غير متباين عن خلقه، ومما لا شك فيه إن هذه دعوى سافرة من إقبال بالحلول والاتحاد والفناء (١).

"و .... الفناء الموجود في كلام المشايخ والصوفية على ثلاثة أقسام: قسم كامل للسابقين، وقسم ناقص لأصحاب اليمين، قسم ثالث للظالمين الفاسقين والكافرين.

فالأول: الفناء عن عبادة ما سوى الله، والاستعانة به بحيث لا يعبد إلّا الله، ولا يستعين إلا بالله، وهذا هو دين الإسلام (٢).

والثاني: الفناء عن شهود ما سوى الله، بحيث يغيب بمشهوده عن شهوده، وهذا لمن لم يقدر على الجمع بين شهود الحقائق وعبادة الخالق، بل ما شهده عنده، ومعبوده واحد، فمشهوده واحد، وهذا يعتري كثيرًا .....

والثالث: وهو فناء الكافرين، وهو جعل وجود الأشياء هو عين وجود الخالق أو هو وجود نفسه عين وجوده .... فإن هذا كفر وصاحبه كافر بعد قيام الحجة


(١) الحلول: وحلّ بالمكان حلّا وحلولًا ومحلًّا، وحلّ الهدي يحلّ حلةّ وحلولًا أي بلغ الذي يحل فيه نحره. (الصحاح للجوهري: مادة "ح ل ل").
الاتحاد: حال موجدين مختلفين وأكثر يؤلفون كلًا واحدًا من جهة ما، مثل اتحاد النفس والجسم، عند أرسطو الاتحاد بين النفس والجسم هو اتحاد جوهري، ومعنى ذلك أنه ليس في مفهوم الجسم شيء مما يخص النفس وليس في مفهوم النفس شيء مما يخص الجسم. (الصحاح للجوهري: مادة "وح د").
الفناء: فناء انتقال من الوجود إلى اللاوجود ويقابل الحدوث (البدء المطلق) الذي هو الانتقال من اللاوجود إلى الوجود، من أعلى مقامات الصوفية فينتمي به العبد في الرب وتغيب هويته في هويته. (الصحاح للجوهري مادة "ف ن ي").
(٢) ومع هذا لم يسمه أحد بالفناء وإنما سماه القرآن الكريم الإخلاص.