للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، وإن كان جاهلًا أو متأولًا لم تقم عليه الحجة كالذي قال إذا أنا مت فأحرقوني ثم زروني في اليم (١) فهذأ أمره إلى الله" اهـ (٢).

ولعل فناء إقبال يدخل في النوع الثالث حيث يجعل وجود الأشياء عين وجود الحق فيقول: "العالم بكافة جزئياته من الحركة الإلهية فيما نسميه ذرة من المادة إلّا حركة الفكر الإنساني الطليق من كل قيد، كل أولئك ما هي إلا تجلي الإلوهية العظمى أو العلي الأعلى" اهـ (٣).

بل المتأمل في دراسة إلهيات إقبال يجده مضطربًا بين الأمور الثلاثة السابقة، وهذا تخبط قد حصل لكل من نزّل الإله عن عرشه العظيم فقصُر باعه من أن يتصور الله مباينًا لخلقه مستويًا على عرشه المجيد، ولم يستطع أن يقدره حق قدره ويحدد له مكانه العالي عندما تناسى مكانه الحقيقي.

ومن البواعث التي حملت الدكتور إقبال على القول بهذه الآراء المنحرفة اعتماده على أقوال المستشرقين في تفسير شطحات الاتحاديين المتصوفة ثم تأثره بنتائجهم، وتدل على ذلك العبارة التالية لإقبال فيقول:

"وقد بلغ تطور هذه الرياضية ذروته في تاريخ الإسلام في عبارة الحلاج (٤) المشهورة "أنا الحق" وفسّروا الذين عاصروا الحلاج والذين جاءوا من بعده عبارته هذه على أنها تتضمن الشرك، ولكن مجموعة نصوص الحلاج التي جمعها ونشرها المستشرق الفرنسي ماسينيون (M. Massignon) لا تدع مجالًا للشك في أن الولي الشهير لم يكن يقصد من عبارته أن ينكر على الله صفة التنزيه، والتفسير الصحيح لتجربته إذن، ليس هو أن الفطرة تنزلق في البحر، ولكنه إدراك لحقيقة النفس الإنسانية


(١) يشير إلى حديث مشهور في صحيح البخاري مع الفتح: ١١/ ٣١٢ (٦٤٨٠) وتتمته: فجمعه الله ثم قال ما حملك على الذي صنعت؟ قال: ما حملني عليه إلا مخافتك فغفر له.
(٢) الاستقامة لابن تيمية: ٢/ ١٤٢ - ١٤٤.
(٣) ينظر تشكيل جديد لإقبال ص: ١٠٩.
(٤) ينظر لترجمة الحلاج ص: ٦٣٣ في هذا البحث.