للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد يقول قائل: إن إقبالًا لم يقصد هنا بالقدر الاعتقاد الصحيح في مفهومه الصحيح، إنما مراده هو ذم الاتكال على القدر وترك العمل، لما أنه رأى أن الأمة قد أصابها تخلف علمي وتخلف حضاري، فأراد أن يبعث فيهم روح النشاط والاعتماد على الذات فقال ما قال في ذم القدر.

ولكن هذا الاعتذار غير صحيح لأنه قد رأينا فيما سبق من العبارات، أنه قد اعترض على قدر الله، وافترض على الله أنه لا يتدخل في شؤون الإنسان أو أنه لا يختار له طريقا من طريقين، فأين هذا من قول الله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (١) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء" اهـ (٢) وهذا كله يدل على أنه أراد بالقدر هو القدر المعروف في الكتاب والسنة.

ولو افترضنا أنه أراد بالقدر مفهومه الخاطئ عند بعض المسلمين، فما ينبغي لإقبال لخطأ بعض الأمة في فهم معنى القدر أن يجعل هجمة شرسة على ركن من أركان الإيمان، وهو عقيدة القضاء القدر، حتى قال في كلامه الشعري:

"إن الإنسان الذي يقول عنه الجهال إنه تابع لقدر الله وسجين في قضائه، فلم تزل فيه قوة يخرق بها قضاء الله وقدره" اهـ (٣).

فقد وصف من اعتقد أن الإنسان تابع لقدر الله بأنه جاهل، ووزعم أن الإنسان يخرق قضاء الله وقدره، ومثل هذه التصريحات من إقبال قد وجدت في غير واحد من المواضع في تأليفاته، وسيأتي بعض العبارات في المطلب القادم عند ذكر معنى القدر عند هؤلاء المتأثرين بالاستشراق.

بعد هذا التحليل العلمي لعبارات السيد وإقبال يمكن تعيين الشبهة في النقاط التالية:


(١) سورة الأنفال: ٢٤.
(٢) صحيح مسلم مع الشرح: ١٥ - ١٦/ ٤٤٣ (٢٦٥٤).
(٣) بال جبريل لإقبال: ص: ٣٢.