للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيا: إن نظرية داروين مردودة على صاحبها من كل وجه قد رد عليها زعيم المدرسة العقلية المعاصرة في الإسلام السيد جمال الدين الأفغاني.

"ففي نفس العام الذي توفي فيه داروين كان السيد جمال الدين الأفغاني في حيدرآباد في الهند يخط رسالته في الرد على الدهريين وأبطل في تلك الرسالة مذهب داروين فكتب يقول تحت عنوان "قول داروين إن الإنسان كان قردا" وعلى زعم داروين هذا يمكن أن يصير البرغوث فيلا بمرور القرون وكرّ الدهور، وأن ينقلب الفيل برغوثا كذلك. فإن سئل داروين عن الأشجار القائمة على غابات الهند والنباتات المتولدة فيها من أزمان بعيدة لا يحددها التاريخ إلا ظنا، وأصولها تضرب في بقعة واحدة وفروعها تذهب في هواء واحد وعروقها تسقى بماء واحد، فما السبب في اختلاف كل منها عن الآخر في بنيته وشكل أوراقه وطوله وقصره وضخامته ورقته وزهره وثمره وطعمه ورائحته وعمره فأي فاعل خارجي أثر فيها حتى خالف بينها مع وحدة المكان والماء والهواء؟ أظن لا سبيل إلى الجواب سوى العجز عنه ...

وإن قيل له: هذه أسماك بحيرة "أورال" وبحر "قزوين" مع تشاركها في المأكل والمشرب وتسابقها في ميدان واحد نرى فيها اختلافا نوعيا وتباينا بعيدا في الألوان والأشكال والأعمال فما السبب في هذا التباين والتفاوت؟ لا أراه يلجأ في الجواب إلّا إلى الحصر" اهـ (١).

ثالثا: إن أكبر دليل قدمه السيد على دعواه قول بعض المفسرين وهو: "وما المقصود بـ "آدم" آدم وحده والله تعالى نفسه يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} (٢) فضمير (كم) خوطب به كل الناس وأريد به جنس الإنسان" اهـ (٣).


(١) ينظر رسالة الرد على الدهريين لجمال الدين الأفغاني -تحقيق: محمود أبو رية، دار الكرنك القاهرة، مكتبة العقائد ص: ٤٤ - ٤٥.
(٢) سورة الأعراف: ١١.
(٣) تفسير القرآن لسيد أحمد خان: ١/ ٤٨.