للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أضاف قائلا: "ليس في الآية الأولى ما يدل على أن البحر افترق لموسى خارقا للعادة الطبيعية (قانون الطبيعة)، وجل اعتماد المفسرين على الآية الثانية، وهي {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْر}، فقالوا إن الله أمر موسى أن يضرب بعصاه البحر فافترق البحر، لأن في الجملة شرطا وجزاءا، فالشرط علة والجزاء معلول، وضرب العصا كان سببا في افتراق البحر.

ولكن هذا الاستدلال غير صحيح لأن الفعل هنا في الزمن الماضي، والقاعدة العربية تقول: إذا وقع الفعل الماضي جزاءا للشرط فله حالتان:

الحالة الأولى: أن يخرج الفعل الماضي عن معناه، ويبقى معلولا للشرط، فلا تدخل عليه الفاء.

الحالة الثانية: أن يبقى الفعل الماضي على معناه ولا يكون معلولا للجزاء، فتدخل عليه الفاء، مثلا: إن أكرمتني فأكرمتك أمس.

ففي هذا المثال: لم يقع الجزاء معلولا للشرط إنما قد حصل الجزاء أمس قبل أن يقع الشرط، وهكذا الافتراق قد حصل للبحر قبل أن يضرب موسى بعصاه، فالافتراق ليس معلولا للضرب" اهـ (١).

وأضاف قائلا: "والحقيقة أن اليهود كانوا يرون أن موسى لما ضرب بعصاه البحر افترق البحر، وظهرت الأرض ولما ضرب بها الحجر تفجرت منه الماء، فعلماؤنا المتقدمون في تفاسيرهم وبخاصة في قصص بني إسرائيل كانوا على عادة تقليد اليهود، فأوّلوا الآيات القرآنية ومقاصدها موافقة بروايات اليهود، وفسروا الضرب على الحقيقة بمعنى الضرب، وحولوا المعجزة الساذجة إلى معجزة خارق للعادة، وخارجة من قانون الطبيعة" اهـ.

ثم قال: "وفي هذا المقام الضرب بمعنى المشي أو الإسراع في المشي كما يقول العرب ضرب في الأرض، وكما جاء في موضع آخر من القرآن: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ


(١) تفسير القرآن للسيد: ١/ ٩١ - ٩٥.