للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرأي الغزالي إن كان مؤيدًا لما ذهب إليه المستغربون في جواز تفسير القرآن بالتفسير العلمي أو الطبيعي ولكنه أراد به إخضاع المخترعات الحديثة لما ثبت من حقائق القرآن وليس العكس .... ولهذا السبب إن رأي الشاطبي واضح جدًا بأن السلف كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء مما زعموا.

فالسابقون جعلوا الحقيقة القرآنية أصلًا وفي ضوئها تُفسّر الحقائق العلمية، وللأسف جعل المعاصرون النظريات أو الحقائق العلمية أصلًا يدعمونها ويفسرونها بآيات قرآنية قد تؤيدها صراحة ويفهم منها ذلك وقد لا تدل على شيء من ذلك فيتكلفون في التوفيق بين هذا وذاك (١).

ولذلك حصل ما حصل من إنكار الحقائق الثابتة من أصل الدين وهذا الباب كله بيان لهذا الانحراف فلا يحتاج إلى مزيد من التفصيل.

وأما تلميذه سيد مهدي علي فقد تنبه إلى خطورة هذا التفسير وبين السلبيات التي تعود على الأمة لسبب مثل هذا التفسير في خطاب له إلى السيد بعد أن نظر في تفسيره فقال: "إن هذا التفسير لا يفهمه أحد إلّا بعد فهمه مطالب القرآن وشرحه وتفصيله (بتفاسير أخرى)، بل هو تفسير يقال فيه تفسير القول بما لا يرضى به قائله، وأنت يا أستاذي السيد قد جئت ببيان سحري فيما أردت أن تبينه من الموضوعات، وعرضته بأسلوب يُسرُّ به القارئ، وإذا لم يكن راسخا في عقيدته فقد يصدقه يؤمن به أيضا ........ ومما يؤسف له أنك تؤمن بتلك المسائل التي قد آمن بها المثقفون الملحدون الغربيون، وفي ضوء تلك المعارف قد أولت الآيات تأويلا قد يبلغ إلى التحريف، وشتمت المفسرين المسلمين واتهمتهم بأنهم مقلدو اليهود، وأنت اتبعت الملحدين، وآمنت بأقوالهم ونظرياتهم إيمانا جازما، وصدقت بها.


(١) ينظر منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير لـ د. فهد الرومي: ٢٦٩ - ٢٧٠.