إن هذه الإشكالات صدرت من رجل مثل المودودي الذي أفنى حياته في الدفاع عن الإسلام ورفع شأنه على سائر الأديان، والذي كتب كتابه "السنة ومكانتها في التشريعي الإسلامي" بحمال شديد ردًّا على منكري السنة، فقال فيه:"لم يكن الضمير الاجتماعي للأمة الإسلامية على استعداد بأي حال من الأحوال لقبول مسألة تحرر المسلمين من إطاعة الله، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يظهر بعض الناس في كل زمان وفي كل أمة، يخدعون بمثل هذه الأمور، إلَّا أن ملء عقل الأمة كلها بهذا الأمر يكون أمرًا صعبًا وعسيرًا، فغرس مثل هذا الأمر اللامعقول في ذهن عامة المسلمين لا يمكن أن يتم، فكيف يؤمن الإنسان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلع من عنقه قلادة طاعته، إن أي مسلم بسيط -لو أصابه مس في عقله- يمكن أن يرتكب عصيانًا، إلا أنه لا يمكن أبدًا أن يتبع تلك العقيدة التي تأمره بعدم الالتزام بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يؤمن بالرسالة المحمدية" اهـ (١).
وأخيرا نرى في هذا الصدد إلى ما قاله زعيم المتأثرين بالاستشراق في الهند سيد أحمد خان: بعد أن آمن إيمانًا جازمًا بأن امتداد الزمن قد أوجد أحاديث وروايات موهومة لا حقيقة لها في الوجود وضع منهجًا جديدًا في تحقيق السنة فيقول: "يشترط في قبول السنة شروط ثلاثة:
١ - أن يكون الحديث المروي قول الرسول صلى الله عليه وسلم بالجزم واليقين.
٢ - أن توجد شهادة تثبت أن الكلمات التي أتى بها الرواي هي الكلمات النبوية بعينها.
٣ - ألا يكون للكلمات الواردة في الحديث معان سوى ما ذكرها الشراح.
(١) مقدمة كتاب "سنت كي آئيني حيثيت" المترجم إلى العربية بعنوان: "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي"، الدار السعودية جدة ص: ٢.