للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن المعلوم أن المناهج الثلاثة من الأشعرية والماتريدية والاثنى عشرية وغيرها من المناهج العقدية (١) والمذاهب الفقهية الأربعة كانت منتشرة في العالم في ذلك الوقت، فجاء الفاتحون بهذه المناهج كلها، إلا أن الغَلَبة كتبت للماتريدية والأشعرية في العقيدة، وللمذهب الحنفي في الأحكام، ومع مرور الزمن ازدادت الفتن والأهواء حتى ملك البلاد الملك "أكبر" (٢) المغولي الملحد، فاختفى المنهج السني الخالص وإن لم ينعدم.

يقول الشيخ إسماعيل السلفي: "وبعد العلامة الصغاني (م- ٦٥٠ هـ) (٣) لا نرى هنا (في الهند) إلا عددا ضئيلا جدا من العلماء (٤) المحققين، ومنهم الشيخ علي المتقي


(١) وسيأتي الكلام عن هذه المناهج في المبحث القادم.
(٢) أكبر: قد ظهر في أواخر المائة العاشرة أكبر شاه بن همايون ... سلطان الهند، اعتقد أن شبه القارة الهندية كان ولا يزال متحفا عقائديا، وأن هذا البنيان العقائدي كان أساس كل انقسام، فرأى أن الوحدة الدينية هي السبيل نحو التوحيد الحضاري، ومن أجل ذلك أسس عمارة رفيعة بـ "فتح بور" سماها "عبادت خانه"، وكان يجلس فيها في الأوقات المعهودة، وتجتمع لديه شرذمة من علماء اليهود والنصارى والمجوس وكفار الهند وعلماء الشيعة وأهل السنة يباحثهم، فترقى من الفروع إلى الأصول، وقال باستحالة الوحي والتشكيك في النبوات، وأنكر المعجزات، وجوّز التناسخ، وحرم ذبح البقر، وحطّ الجزية، وأحلّ الخمر والميسر ومحرمات أخر، وأمر بإيقاد النار في حرمه على طريقة المجوس، وأمر أن يعظم وقت طلوع الشمس على طريق كفار الهند، وبدل كلمة الشهادة بقوله "لا إله إلا الله وأكبر خليفة الله"، وسمى دينه الدين الإلهي. (ينظر الثقافة الإسلامية في الهند لعبد الحي ص: ٢٢٥).
(٣) الصغاني (٥٧٧ - ٦٥٠): هو رضي الدين أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي القرشي العدوي العمري الصغاني الحنفي، تلمذ على علماء العرب والعجم، صاحب التصانيف الكثيرة من أشهرها مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية، والأضداد، العباب الزاخر واللباب الفاخر، وموضوعات الصغاني، كان متشددا في تصحيح الأحاديث كأمثال ابن الجوزي، والفيروزآبادي وصاحب سفر السعادة، فأدخل في الموضوعات ما ليس منها. (ينظر كيا إقليم هند مين إشاعت إسلام صوفيا كي مرهون منت هي لغازي عزير ص: ٩٦ - ٩٩، وتاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين ١/ ٢٦١ - ٢٦٢).
(٤) وفي الأصل للعلماء.