للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الثالث:

له من نوع عبادة بلا استعانة، وهؤلاء نوعان: (١)

أحدهما: القدرية القائلون بأنه قد فعل بالعبد جميع مقدوره من الألطاف، وأنه لم يبق في مقدوره إعانة له على الفعل، فإنه قد أعانه بخلق الآلات وسلامتها، وتعريف الطريق وإرسال الرسل وتمكينه من الفعل فلم يبق بعد هذا إعانة مقدورة يسأله إياها، فهؤلاء لهم نصيب منقوص من العبادة ولكنهم لا يطلبون من الله الإعانة عليها، ولا يطلبون منه صلاح قلوبهم ولا هدايتها، فلهذا هم موكولون إلى أنفسهم، مسدود عليهم طريق الاستعانة.

النوع الثاني: من لهم عبادات وأوراد ولكن حظهم ناقص من التوكل والاستعانة لم تتسع قلوبهم لارتباط الأسباب بالقدر، فلم تنفذ قوى بصائرهم من السبب إلى المسبب، فضعفت عزائمهم، وقصرت هممهم، فقل نصيبهم من الاستعانة.

ومشكلة أهل هذا القسم أنهم ينظرون إلى جانب الأمر والنهي والعبادة شاهدين لإلهية الرب سبحانه الذي أمروا أن يعبدوه، ولا ينظرون إلى جانب القضاء والقدر، والتوكل والاستعانة. وهو حال كثير من المتفقهة والمتعبدة، فهم مع حسن قصدهم وتعظيمهم لحرمات الله ولشعائره، يغلب عليهم الضعف والعجز والخذلان، لأن الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجأ إليه والدعاء له هي التي تقوي العبد وتيسر عليه الأمور ولهذا قال بعض السلف: "من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله (٢) " (٣).


(١) مدارج السالكين: ١/ ٨١، وتجريد التوحيد المفيد: ٤٠، والفتاوى: ١٣/ ٣٢٣، وكتاب التوحيد وإخلاص العمل: ١٦٧ - ١٦٨.
(٢) هذا الأثر قد روي مرفوعًا من طريق ضعيف رواه كذلك ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل ص: ٦٠ رقم ٩، والحاكم: ٤/ ٢٧٠، وضعفه الذهبي في تلخيصه، وانظر بقية الكلام على طرقه في تخريج الدوسري لكتاب التوكل لابن أبي الدنيا ص: ٦٠.
(٣) الفتاوي: ١٠/ ٣٢ - ٣٣، والتدمرية: ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>