للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الداعي لغير الله لا يخلو إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم معه من وزير أو ظهير، وهذا أعظم التنقيص لمن هو غني عن كل ما سواه ومفتقر إليه كل ما سواه.

وإما أن يظن أن قدرة الله إنما تتم بقدرة الشريك، أو أنه لا يعلم حتى تعلمه الواسطة، أو لا يرحم حتى تجعله الواسطة يرحم، أو لا يكفي العبد وحده، أو لا يفعل ما يريده العبد حتى تشفع عنده الواسطة كالرؤساء والملوك، أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الواسطة أن ترفع تلك الحاجات إليه أو أن للمخلوق عليه حقًّا يقسم به عليه، ويتوسل به إليه كما هو عادة الرؤساء (١).

فكل هذا إساءة للظن بالله تعالى وأي إساءة أعظم من هذا؟.

٥ - إن دعاء غير الله تعالى (٢) فيه تشبيه الخالق بالمخلوق إذ اعتقد الداعي أن من يدعوه يتوسط له لدى الله تعالى كما يتوسط لدى الرؤساء والزعماء وهذا التشبيه صرح به بعضهم (٣) ظنًا منهم أن الخالق مثل المخلوق، حاشا وكلا فإن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لأن الواسطة إنما جازت عند الرؤساء لأنهم لا يعرفون أحوال الناس وحقيقة الأمر، أو لكونهم عاجزين عن تدبير الرعية، أو غير ذلك.

وأما الله سبحانه فليس كذلك، فمن دعا المخلوق وأراد الشفاعة والوساطة - كما هو عقيدة غالب من يدعو غير الله تعالى - فقد شبه الله تعالى بالرؤساء الجاهلين العاجزين المحتاجين إلى من يساعدهم ويعاونهم.

كما أن فيه تشبيه المخلوق بالخالق لأن الدعاء من أخص خصائص الإلهية فمن صرفه لغير الله تعالى فقد أعطى خصيصة من أهم خصائص


(١) انظر في هذا الجواب الكافي: ١٤٣، وإغاثة اللهفان: ١/ ٥٠، وتجريد التوحيد: ٣١ - ٣٢.
(٢) الواسطة بين الحق والخلق ضمن الفتاوى: ١/ ١٢٦ - ١٢٧.
(٣) انظر شواهد الحق للنبهاني ص: ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>