للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما اللين والذل، والآخر الشدة والغلظ، فمن الأول العبد المملوك، والبعير المعبد، والطريق المعبد، ومن الثاني العَبَدَة وهي القوة والصلابة، يقال: هذا ثوب له عَبدَة إذا كان صفيقًا قويًا (١). هذا ومن استعمال العبادة بمعنى الطاعة والانقياد قوله تعالى: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ [يس: ٦٠] أي لا تطيعوه، وقوله تعالى: ﴿فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ [المؤمنون: ٤٧]، أي مطيعون متذللون لنا يدينون لنا والعرب تسمي كل من دان للملك عابدًا له (٢).

فتحصل مما سبق أن العبادة في اللغة الخضوع والتذلل، والطاعة، وهل تطلق العبادة على كل خضوع وتذلل أو كل طاعة أم هناك تقييد؟.

قال الزجاج: "ومعنى العبادة في اللغة الطاعة مع الخضوع" (٣) فقيد الطاعة بالخضوع.

وقال ابن سيده: "وكل خضوع ليس فوقه خضوع فهو عبادة، طاعة كان للمعبود أو غير طاعة، وكل طاعة لله على جهة الخضوع والتذلل فهي عبادة، والعبادة نوع من الخضوع لا يستحقه إلا المنعم بأعلى أجناس النعم كالحياة والفهم والسمع والبصر" (٤).

فعلى هذا لا يقال كما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ١٧٥ هـ): "عبد يعبد عبادة إلا لمن يعبد الله وأما عبدٌ خَدَمَ مولاه فلا يقال عبده" (٥).

وأيد عدم الإطلاق إلا في حق الله تعالى الزمخشري وتبعه الصنعاني


(١) معجم مقاييس اللغة: ٤/ ٢٠٥.
(٢) تفسير ابن جرير: ١٨/ ٢٥.
(٣) معاني القرآن: ١/ ٤٨، وتهذيب اللغة: ٢/ ٢٣٤.
(٤) المخصص لابن سيده: ١٣/ ٩٦.
(٥) العين: ٢٠/ ٤٨، والتهذيب: ٢/ ٢٣٥، واللسان: ٥/ ٢٧٧٦، وتاج العروس: ٨/ ٣٣١ ط. الكويت.

<<  <  ج: ص:  >  >>