للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ومما ينبغي أن يفهم أن الحكم بالكفر الذي سبق الكلام عليه مقيد بما هو معلوم عند أهل العلم من بلوغ الدعوة وإقامة الحجة.

وقد بيّن تقييد هذا الحكم بهذا القيد كثير من العلماء منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وكرره وأعاده في عدة مواضع من كتبه الكثيرة.

من ذلك قوله في هذه المسألة التي نحن فيها وهي دعاء غير الله تعالى ما ملخصه: إننا نعلم بالضرورة أن الرسول لم يشرع لأمته دعاء الأموات كما لم يشرع السجود لميت ولا لغيره بل نعلم أنه نهى عن ذلك "وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه" (١).

وقال أيضًا في الحكم العام في هذه المسألة: «وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرًا فيطلق القول بتكفير صاحبه فيقال: من قال كذا فهو كافر لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها وهذا كما في نصوص الوعيد … فإن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بالنار لجواز ألا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع فقد لا يكون التحريم بلغه … وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله تعالى بها" (٢).

ولشيخ الإسلام نحو هذا الكلام في عدة مواضع من كتبه (٣).


(١) الرد على البكري ص: ٣٧٦، والذي في غاية الأماني: ١/ ١٨ نقلًا عن الرد على البكري (لم يمكن تكفيرهم) وهو الأوفق للسياق، ومثله في جلاء العينين ص: ٤٨٤.
(٢) المسائل الماردينية: ٦٥ - ٧٠.
(٣) انظر من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية "الرد على البكري" ص: ٢٥٨ إلى ٢٥٩، والاستقامة: ١/ ١٦٣ - ١٦٦، ومنهاج السنة: ٥/ ٢٣٩ - ٢٥٢، ونقض المنطق: ٤٥ - ٤٦، والإيمان: ١٩٠، والفتاوى: ١١/ ٤٠٧ - ٤١٣، ١٢/ ٤٨٥ - ٥٠١، ٣/ ٢٢٩ - ٢٣١. =

<<  <  ج: ص:  >  >>