للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدعو في مسجده، ولا يستقبل القبر ويدعو لنفسه.

واختلفوا في وقت السلام عليه فقال الثلاثة -مالك والشافعي وأحمد-: يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه، وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم.

ثم في مذهبه قولان: قيل يستدبر الحجرة وقيل يجعلها عن يساره، فهذا نزاعهم في وقت السلام، وأما في وقت الدعاء فلم يتنازعوا في أنه إنما يستقبل القبلة لا الحجرة كما يستقبل القبلة إذا دعا بعرفة والصفا والمروة، وعند الجمرات (١).

وأما ما يروى عن بعض العلماء أنهم ذكروا الدعاء بعد السلام على النبي فهو إن ثبت محمول على أنهم إنما أرادوا الدعاء اليسير الذي لم يُتَحَرَّ وإنما جاء ضمناً، وسيأتي أن الدعاء اليسير بدون تحر والذي يجيء ضمناً جائز، ويدل على هذا الحمل ألفاظ الأدعية المروية عنهم في ذلك فإنها يسيرة وفي ضمن السلام: فقد روي عن أحمد في منسك المروذي (٢) أنه قال: "ثم ائت الروضة، وهي ما بين القبر والمنبر فصل فيها وادع بما شئت ثم ائت قبر النبي ، ثم ذكر صيغة السلام والشهادتين والثناء على الرسول الله ثم ذكر الدعاء للرسول بقوله: "فجزاك الله أفضل ما جزى نبياً عن أمته، ورفع درجتك العليا وتقبل شفاعتك الكبرى، وأعطاك سؤلك في الآخرة والأولى، كما تقبل من إبراهيم" ثم ذكر الدعاء لنفسه بقوله: "اللهم احشرنا في زمرته وتوفنا على


(١) قاعدة في التوسل ص: ٦٨، أو المطبوعة ضمن الفتاوى: ١/ ٣٥٢ - ٣٥٣، ٢٢٩ - ٢٣٠، والرد على البكري: ٢٥، ومنهاج السنة: ٢/ ٤٤٤، والرد على الأخنائي: ٣١، والعقود الدرية: ٢٢٤، مع تصحيف في النسخة، والكواكب الدرية: ١٥٥ - ١٥٦، والفتاوى: ٢٧/ ١١٧، ١٩٠، والجواب الباهر: ١٧.
(٢) هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج صاحب الإمام أحمد وكان أجلّ أصحابه وأورعهم (ت ٢٧٥ هـ)، تاريخ بغداد: ٤/ ٤٢٣، والعبر: ١/ ٣٩٦، والسير: ١٣/ ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>