للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتبين مما سبق أن علماء السلف أجمعوا في قبر النبي مع أنه أشرف الخلق وأكرمهم على الله، وأفضل الأولين والآخرين، على أنه لا يستقبل عند الدعاء فضلاً أن يدعي من دون الله ويتخذ قبره عيداً، فكيف بقبر غيره ممن هو دونه بكثير؟ (١).

ويعلم من هذا أنه إذا اتفق السلف في أن قبر النبي لا يتحرى الدعاء عنده دل ذلك على أن السلف يرون أن تحري باقي القبور بدعة من باب أولى وأحرى.

٦ - ومما يدل على بدعية تحري الدعاء عند القبور أن النبي الله نهى عن الصلاة عند القبور وإليها، ونهى عن اتخاذها مساجد.

فقد روى أبو مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله يقول: "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها" (٢)، وقال في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا" (٣)، وقد نصح أمته وأوصاهم قبل أن يموت بخمس، فقال: "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك" (٤). والعلة في النهي عن الصلاة عند القبور كون ذلك يؤدي إلى الافتتان بها، فمن باب أولى النهي عن الدعاء عندها لأن الفتنة هنا أشد.

قال شيخ الإسلام: "إن العلة التي نهى النبي لأجلها عن الصلاة عندها إنما هو لئلا تتخذ ذريعة إلى نوع الشرك بقصدها، وبالعكوف عليها وتعلق القلوب بها رغبة ورهبة، ومن المعلوم أن المضطر في الدعاء الذي قد نزلت به نازلة، فيدعو لاستجلاب خير كالاستسقاء أو لدفع شر كالاستنصار، فحاله بافتتانه بالقبور إذا رجا الإجابة عندها أعظم من حال


(١) قاعدة ضمن الفتاوى: ١/ ٣٥٩، والفتاوى: ٢٧/ ١٢٢، ومنهاج السنة: ٢/ ٤٤٤.
(٢) أخرجه مسلم: ٢/ ٦٦٨ رقم ٩٧٢.
(٣) تقدم تخريجه ص: ٤٥٦.
(٤) تقدم تخريجه ص: ٤٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>