للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ز - إن لفظ الوسيلة الذي ورد في هذه الآية هو مثل لفظ الوسيلة

الذي ورد في آية الإسراء ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (٥٦) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (٥٧)[الإسراء: ٥٦، ٥٧].

ففي هذه الآية لا يمكن تفسير الوسيلة بما يشمل التوسل بالذوات لأن ذلك خلاف سياق الآية، فالآية تبين أن المدعوين أنفسهم يطلبون إلى الله الزلفى والقربة، ويرجون رحمته ويخافون عذابه فكيف أنتم تدعونهم مع هذا؟، بل اللائق بكم أن تدعوا وتطلبوا الزلفى إلى الله كما هم يطلبونها من الله تعالى وحده وهذا واضح من الآية بحمد الله تعالى فهي في نفي الواسطة إلى الله تعالى فيشمل ذلك التوسل البدعي، فكما أن الوسيلة في آية الإسراء لا تعم التوسل البدعي فكذلك لا تعمه في آية المائدة وخير ما فسر القرآن بالقرآن، ومن فرق بين المتماثلين فعليه البيان والبرهان، ولا برهان له إلا الاحتمالات الواهية والظنون الكاذبة.

ح - إن الوسيلة التي أمرنا بابتغائها لا بد أن يبينها الله لنا في كتابه لأنها مما يقربنا إليه وهي من الدين، وقد قال تعالى في أول هذه السورة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣]، فإذا لم يرد في القرآن الكريم كله التوسل بالذوات ولا مرة واحدة، ولم يحك الله لنا هذا التوسل في أدعية الأنبياء والصالحين وابتهالاتهم ومناجاتهم مع الله تعالى وهي كثيرة جدًا في القرآن الكريم، دل ذلك على أن هذا التوسل ليس مما يقربنا إلى الله تعالى وليس من الدين في شيء وليس من أدعية الأنبياء والصالحين، فثبت أنه محدث في الدين وأنه ليس مرادًا من الآية.

فثبت بما تقدم - ولله الحمد - أن معنى الآية: ليس في التوسل بذوات الصالحين وإنما معناها تقربوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه كما

<<  <  ج: ص:  >  >>