للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نسلم دلالته على الاستغاثة ونداء الموتى ودعائهم، لأن هذا الحديث غاية ما يدل عليه أن الأعرابي طلب من النبي أن يدعو مع حضوره في حياته ، فأين هذا من دعاء الأموات والالتجاء إليهم في الشدائد؟ ومن هنا يعلم أننا لو تنازلنا وقلنا: إن الحديث يدل على جواز التوسل بالنبي في مغيبه فلا يدل على جواز دعائه والاستغاثة به والاستنجاد به وذلك لأن "الفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين: المتوسل إنما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه، وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه" (١).

والذي يستحق السؤال والاستغاثة والتوكل هو الله وحده، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ولا يمكن أن يدعى ويسأل غير الله تعالى، كما لا يمكن قياس سؤاله ودعائه على السؤال به والتوسل به فالفرق شاسع بين البابين.

وأما تعليمه الأعمى الدعاء فلا ينافي دعاءه له، لأن دعاء الأعمى ووضوءه وصلاته من التوسل بالأعمال الصالحة، ويكون دعاء النبي له من التوسل بدعاء الحي الحاضر "فحصل الدعاء من الجهتين" (٢).

وبهذا تسقط دعوى من يقول: إن الرسول لم يدع للأعمى وإنما أرشده إلى الصلاة والتوسل به فقط (٣).

وأما قوله: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد" فليس معناه بذات أو جاه نبيك وذلك لأن معنى التوسل والتوجه في لسان


(١) الفتاوى: ٣/ ٢٧٦.
(٢) الرد على البكري: ١٢٩.
(٣) انظر هذه الدعوى في الرد المحكم للغماري: ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>