٣ - لو سلمنا أن المراد بالدعاء في الآيات -العبادة- لا نسلم بأن دعاء المسألة لا يدخل في العبادة، فإنه إن لم يكن الدعاء من العبادة فلا عبادة يمكن تصورها، لأن الدعاء يتضمن أنواعًا من العبادات وليس عبادة واحدة فقط، فهو يتضمن الرجاء والخوف والتوكل والتضرع والابتهال والخشية والطمع والتوجه إلى الله والإقبال عليه والانطراح بين يديه وحسن الظن بالله، والمراقبة الله، كما أنه يتضمن سؤاله وذكره وثناءه والتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
فإذا لم تكن هذه الأمور عبادة فلا يمكن أن نتصور عبادة وقد وردت الأدلة الصحيحة بأن الدعاء هو العبادة وأنه مخها وروحها، قال ﷺ في حديث النعمان بن بشير ﵄: الدعاء هو العبادة "فثبت بهذا أن الدعاء عبادة من أجلّ العبادات فإن لم يكن الإشراك فيه شركًا، فليس في الأرض شرك، وإن كان في الأرض شرك فالشرك في الدعاء أولى أن يكون شركًا من الإشراك في غيره من أنواع العبادات"(١).
فتحصل من هذا أن الدعاء داخل في العبادة، وأن الآيات والأحاديث الواردة في العبادة والتحذير من صرفها لغير الله تعالى تشمل وتعم جميع أنواع العبادت ومن أجلها دعاء المسألة، وقد قدمنا تلازم نوعي الدعاء وأن دعاء العبادة يستلزم الطلب والسؤال، فلا ينفع الخصم تأويل معنى الدعاء إلى العبادة وتضييقه لمفهوم العبادة حيث يظن أنها خاصة بالصلاة والصوم والحج.
قال الأمير الصنعاني جوابًا لمن حصرها في الصلاة والصوم إلخ:
"هذا جهل بمعنى العبادة فإنها ليست منحصرة فيما ذكرت بل رأسها وأساسها الاعتقاد، وقد حصل في قلوبهم ذلك بل يسمونه معتقدًا ويصنعون له ما تفرع عن الاعتقاد من دعائهم وندائهم والتوسل بهم