للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الهيتمي مثل كلام السبكي السابق ولعله نقله منه ومما قاله (١): "فهو مستغاث به حقيقة والغوث منه خلقاً وإيجاداً، والنبي مستغاث به مجازاً (٢) والغوث منه تسبباً وكسباً فهو على حد قوله تعالى: وما رميت ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧]، أي وما رميت خلقاً وإيجاداً إذ رميت تسبباً وكسباً ولكن الله رمى خلقًا وإيجاداً، وقوله تعالى: فلم تقتلوهم ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾ [الأنفال: ١٧].

وبالجملة فإطلاق لفظ الاستغاثة لمن يحصل منه غوث باعتبار الكسب أمر معلوم لا شك فيه لغة ولا شرعاً، فإذا قلت: أغثني يا الله، تريد الإسناد الحقيقي باعتبار الخلق والإيجاد، وإذا قلت: أغثني يا رسول الله، تريد الإسناد المجازي باعتبار الكسب والتوسط".

ففي هذا الكلام الأمور التالية:

١ - أنه يجوز طلب الاستغاثة من الرسول ، وكذا من الصالحين، لأنَّه لا فرق ذلك بين عندهم.

٢ - إن المستغاث به الذي هو النبي أو الولي، يغيث ويقع الغوث منه في حال مماته مثل ما يقع منه في حال حياته بدون أدنى أي فرق بين الحالتين، وقد علم بالضرورة الفرق بين الحالتين، فعدم الفرق باطل.

٣ - إن إسناد الغوث إلى المخلوق إسناد كسب وتسبب، وليس إسناد إيجاد وخلق، وهذه العقيدة في الإسناد في الأفعال هي عامة عندهم الأفعال الاختيارية، وهو قول الأشعري في مسألة قدرة العبد على


(١) الدر المنظم بواسطة خلاصة الكلام: ٢٥٣، والدرر السنية: ١٧، والمواهب اللدنية كما في جلاء العينين ص: ٤٩٦، وانظر نحو هذا الكلام في المنحة الوهبية لابن جرجيس ص: ٤، ٢٥، وفي غاية الأماني: ٢/ ٣٤٠ نقلاً عن رجل عراقي.
(٢) فكلمة المجاز في عبارته لا يراد بها المجاز المصطلح عليه عند علماء البلاغة وإنما المراد به الإشارة إلى مذهب الأشاعرة في الكسب، فالإغاثة قد حصلت عندهم حقيقة من النبي .

<<  <  ج: ص:  >  >>