للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(إلا أن تنتهك حرمة اللَّه (١) تعالى) أي: ترتكب محارم اللَّه في شرعه ويبالغ في خرقها وإتيانها (فينتقم) أي: يعاقب فاعلها انتصارًا (للَّه بها) أي: بسببها، والاستثناء فيه منقطع، يعني: إذا انتهكت حرمة اللَّه انتصر للَّه وانتقم ممن ارتكب ذلك، فإن قيل: فأذاه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو انتهاك حرمة من حرم اللَّه، فكيف ترك الانتقام ممن آذاه استئلافًا وتركًا من ينفر في دينه كما قال -عليه السلام-: "لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" (٢).

وقد قال مالك: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعفو عمن شتمه. وإذا تقرر هذا فالمراد بانتهاك حرمه التي لا ترجع بحق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بل بحرمة اللَّه وحرمة محارمه، فإنه كان يقيم حدود اللَّه على من انتهك شيئًا منها فلا يعفو عنها، كما قال في حديث السارقة: "ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" قال القرطبي: لكن ينبغي أن يفهم أن صفحه عمن آذاه كان مخصوصًا به وبزمانه، وأما بعده فلا يعفى عنه (٣).

وقال عياض: أجمع العلماء على أن من سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كفر، واختلفوا هل حكمه حكم المرتد فيستتاب، أو حكم الزنديق لا يستتاب؟ وهل قتله للكفر أو للجهر؟ وجمهورهم على أن حكمه حكم الزنديق لا تقبل توبته، وهو مشهور مذهب مالك وقول الشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: هي كفر ورِدة، وتقبل توبته إذا تاب (٤).


(١) بعدها في (ل)، (م): نسخة: تنتهك حرم اللَّه.
(٢) رواه البخاري (٣٥١٨)، ومسلم (١٠٦٣) من حديث جابر.
(٣) "المفهم" ٦/ ١١٩.
(٤) "إكمال المعلم" ٧/ ٢٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>