للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أغض للبصر) أفعل تفضيل إما بمعنى غاضٍّ، كما أشار إليه ابن دقيق العيد، أو للتفضيل على أنه من غض طرفه أي حفظه، وكل شيء كففته فقد غضضته، وأريد بالبصر هنا الطرف؛ لرواية النسائي: "فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج" (١).

فإن قيل: هل لا يكون غض البصر إلا بهذين الأمرين؟

فالجواب: إن هذين أكثره، وقد يكون غض البصر بأن يغطي رأسه حتى لا يرى أحدًا إن كان المعني الجارحة، وإن كان المعني الجارحة مع سكون الفكر في ذلك، فهذا قد يزيله نوع آخر، مثل شدة الخوف والتألم، كما روى الثوري أنه كان إذا مر به خاطر لغير الله يضرب نفسه بقضيب، فربما كان يقطع في اليوم الواحد جملة من القضبان.

(ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ذهب بعضهم إلى أنه إغراء للغائب (٢)، كقوله: {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (٣) وسهَّل ذلك تَقَدَّم المغرى به في: "من استطاع منكم الباءة"، فصار كالحاضر، وكأنه قيل: فإن لم تستطيعوا فعليكم بالصوم، ذهب ابن عصفور إلى أن الباء زائدة في المبتدأ، والتقدير: فعليه الصوم، فهو خبر لا أمر، وضعف باقتضائه حينئذٍ الوجوب؛ لأن ذلك ظاهر هذِه الصيغة ولا قائل به, وذهب ابن حزم إلى أنه من إغراء المخاطب بتأويل، فقال: ولعل مراده: ومن لم يستطع فدلوه على الصوم. وأوله بعضهم بتقدير:


(١) "سنن النسائي" ٤/ ١٧١.
(٢) انظر: "إحكام الأحكام" ١/ ٣٩٩.
(٣) البقرة: ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>