واعلم أن الحصر المذكور من حصر المبتدأ والخبر، ويعبر عنه الشاميون بقصر الموصوف على الصفة، وذلك لأن المحصور فيه أو المقصور عليه هو المؤخر، ثم هو أيضًا قصر خاص خلافًا لما ادعاه ابن دقيق العيد أنه عام (١)، وممن قرأ الحديث كذلك السماني في "إعجاز القرآن". (وإنما) الحاصل (لكل امرئ ما) يعني الذي (نوى) فـ (ما) موصول اسمي، ويجوز أن يكون موصولًا حرفيًّا فلا يحتاج لعائد، بل التقدير: وإنما لكل امرئ نيته، ولا بد من حذف مضاف على التقديرين لئلا يلزم اتحاد هذِه الجملة مع التي قبلها؛ لأن الأولى قد تضمنت أن كل عامل لا يصح عمله إلا بنية، فإذا كانت النية موجودة في عمله، فقد حصل له وإلا فلا يحصل له فيقدر هنا: وإنما لكل امرئ ثواب ما نوى ونحو ذلك، فتكون الأولى قد نبهت على أن الأعمال لا تصير ذات ثواب إلا بنية، والثانية على أن العامل يكون له من العمل على مقدار نيته، ولهذا أُخِّرت عنها ليرتبها عليها.
وقال بعضهم: الجملة الأولى لبيان اعتبار النية لغرض تمييز العبادة عن العادة، والثانية لغرض تمييز رتب العبادات كالتعيين والفريضة في الصوم والصلاة، فإن النية تنقسم إلى نية تعبد وهو إخلاص العمل لله تعالى، ونية تمييز كمن أقبض رب الدين من جنس دينه شيئًا، فإنه يحتمل التمليك هبة وفرضًا ووديعة وإباحة ونحو ذلك (فمن كانت هجرته) هي فعلة من هجره هجرًا إذا تركه، والمراد هنا الهجرة من مكة إلى المدينة قبل أن تفتح مكة، وبعد الفتح لا هجرة بل جهاد ونية، نعم