شارك العلماء المغاربة في علوم الشريعة الإِسلامية مشاركة محمودة، وكانت لهم يد مشكورة في الفقه والأصول والتفسير ... كما كان لهم اجتهاد وتأصيل في مصطلح الحديث، وقد انتفع بعلمهم من جاء بعدهم سواء من المشارقة أو المغاربة، غير أن تراثهم العلمي لم يلق من المتأخرين ما لقيه ممن سبقهم من اهتمام وعناية؛ فهذه أحكام عبد الحق الإشبيلي بمصنفاتها الثلاثة: الكبرى, والوسطى، والصغرى، كانت تتداول بالدراسة والتحصيل في عهد مؤلفها، بل بلغ الأمر أن تنافس الطلبة في حفظها واستظهارها، وخاصة الصغرى منها، كما عد بعضهم كتب الأحكام من أدوات الإجتهاد في الشريعة الإِسلامية إلى جانب الكتاب والسنة والاجماع ... ونقول العلماء عنها في كتبهم واعتمادهم لما ورد فيها من أحكام خير شاهد على مكانتها بين كتب الأحكام، ورغم كل ذلك لازالت الأحكام الكبرى والوسطى لم تر نور الطباعة بعد.
وهذا الحافظ ابن القطان الفاسي يترك لنا كتاب:"بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام، لعبد الحق الإشبيلي" الدال على علو كعبه ونبوغه في علم الحديث ومصطلحه، ويشهد له بهذه المكانة الحديثية كذلك جماعة من الحفاظ الذين جاؤوا بعده كالزيلعي والذهبي وابن حجر ... ومع ذلك يبقى
الكتاب قابعا في زاوية النسيان ولا ينال ما يستحق من دراسة وتحقيق -من طرف الباحثين المعاصرين- إلا في المرحلة الأخيرة.
وإذا كان التقصير العلمي قد لحق المصنفين السابقين وكتابيهما، فإنه سيظهر بممكل واضحِ مع ابن المواق وكتابه بغية النقاد، ونلمس ذلك جليا في عدم معرفة هذا العَلَم من طرف مجموعة من الباحثين المعاصرين، ما بين من صرح بعدم معرفة اسمه، أو من وهم فيه، أو وهم في اسم أبيه، أو خلط يينه وبين المواق الفقيه المالكي -شارح مختصر خليل-، بل بلغ من إغماطه حقه أن نسب كتابه "بغية النقاد" لإبن رشيد السبتي عند بعضهم.
وقد تكفل هذا المبحث بالتعريف بهذا الحافظ وتصحيح بعض هذه الجوانب المذكورة؛ عساه أن يرفع -ولو قسما ضئيلا- من هذا التقصير والمؤاخذة بعدم