أقسم الكلام في هذا الحديث إلى قسمين، القسم الأول أتناول فيه حديث ابن شهاب؛ الذي أخرجه أبو داود. وفي القسم الثاني أتناول حديث أنس؛ الذي أخرجه البخاري. القسم الأول: جاء في سنن أبي داود: (حدثنا محمد بن العلاء، أخبرنا ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: هذه نسخة كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كتبه في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب؛ قال ابن شهاب: أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فرعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله [بن عبد الله] بن عمر وسالم بن عبد الله ابن عمر، فذكر الحديث. قال: فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون، حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة. وجاء في آخر الحديث: فذكر نحو حديث سفيان بن حسين؛ وفيه: "ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المصدق"). كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة: ٢/ ٢٢٦ ح: ١٥٧٠). وحديث سفيان بن الحسين الذي ذكر أخيرا؛ أخرجه أبو داود (ح: ١٥٦٠): رواه عن عبد الله بن محمد النفيلي، عن عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه؛ قال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى تبض فكان في الحديث. فالحديث في روايته الأولى رواه يونس بن في يزيد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر، وقال فيه ابن شهاب إنه نسخة كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة؛ فهو حديث في حكم المرسل، لأن سالما تابعي. أما الحديث في روايته الثانية، فهو حديث سفيان بن الحسين عن الزهري، عن سالم، عن أبيه مرفوعا. وهذا الحديث رواه أحمد -من طريق سفيان بن الحسين المذكورة- (الفتح الرباني ٨/ ٢٠٧) كما رواه الترمذى في جامعه (٣/ ١٧ ح: ٦٢١) ثم عقب عليه بقوله: (حديث ابن عمر حديث حسن، والعمل على هذا الحديث عند عامة الففهاء، وقد روى يونس بن يزيد وغير واحد عن الزهري عن سالم بهذا الحديث، ولم يرفعوه، وإنما رفعه سفيان بن حسين). ورواه الدارمي (١/ ٣٨١)، والحاكم (١/ ٣٩٢). قلت: لم ينفرد برفعه سفيان بن حسين، بل تابعه على الرفع سليمان بن كثير كما عند ابن ماجة في سننه (١/ ٥٧٣ ح: ١٧٩٨)، والبيهقي في سننه الكبرى (٤/ ٨٨)، لكن في هذين الراويين -سفيان بن حسين، وسليمان بن كثير- مقال في روايتهما عن الزهري: قال ابن أبي خيثمة عن يحيى [بن معين] في سفيان بن الحسين: ثقة -في غير الزهري- لا يدفع، وحديثه عن الزهري ليس بذاك، إنما سمع منه بالموسم. وقال النسائي: ليس به بأس إلا في الزهري (ت. التهذيب ٤/ ٩٦). وقال النسائي في سليمان بن كثير: ليس به بأس إلا في الزهري فإنه يخطئ عليه. وقال العقيلي: واسطي سكن البصرة مضطرب الحديث عن ابن شهاب، وهو في غيره أثبت. (ت. التهذيب ٤/ ١٨٩). قلت: ولا يفهم من ذلك أن أهل الجرح والتعدل قد اتفقوا على رد الحديث، بل إن الإمام إلبخاري - وناهيك به في معرفة علل الأحاديث وأسانيدها واستقصاء وانتقاد رواتها - لما سئل عن حديث سفيان بن الحسين. قال: