١٦٨ هـ) -رَحِمَهُ اللهُ- في القرن الثاني الهجرىِ، وشهدت تلك البقاع نبوغ أساطين في نقد السنن، وأعلامًا في صناعهَ النقد الحديثي، برزوا وتميزوا في تاريخ العلم والسنة؛ ذكرهم محاط بالإجلال ويفتح علينا صرحًا من صروح العلم، ويدلنا على قلعة من قلاعه، منهم أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد (ت ٢٧٦ هـ)، وابن وضاح (ت ٢٧٧ هـ) القرطبيين، وأبي عمر الطلمنكي (ت ٤٢٩ هـ) وابن أبي زمنين الإلبيري (ت ٣٩٩ هـ)، وابن عبد البر القرطبي (ت ٤٦٣ هـ) ..
إلى عبد الحق الإشبيلي الشهير بابن الخراط (ت ٥٨٢ هـ)؛ صاحب الأحكام الثلاثة: الكبرى والوسطى والصغرى، فقد ظهرت عنايته بأحاديث الأحكام واشتملت كتبه على صناعة واستدلال.
وكان ممنِ برز في نقد استدلالات ابن الخراط في أحكامه الناقد البصير علي بن الحسن ابن القطان الكتامي رأس طلحة العلم بمراكش - المراكشي الفاسي المتوفى سنة ٦٢٨ هـ. في كتاب حافل اشتمل على صناعة حديثية عالية ترجمت مستوى النقد في الغرب الإسلامي وحفلت بصنوف النقود ودراسه المنيفة، وأصبح عند المتأخرين ركنا يعولون عليه؛ وقد رد ابن القطان على ابن الخراط بعض ما صححه أو حسنه؛ فخطأه فيه وكلها دارت على مخالفاته له في أحكامه على الأحاديث تصحيحًا أو تحسينًا أو تضعيفًا.
فكان كتاب ابن القطان ديوان نقد عالي القدر عند المعاصرين واللاحقين، واعتمده كبار نقاد عصره من المتأخرين كالذهبي (ت ٧٤٨ هـ)، والزيلعي (ت ٧٦٢ هـ)، وابن حجر (ت ٨٥٢ هـ) وغيرهم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحدُ بل تسلسل المسلسل؛ إذ أن حضور النقد وتمكنه من علماء الحديث لا يدعهم يسكنون على المساجلات العلمية والمطارحات النقدية ويلح عليهم دائماً منهج الرد والتعقيب والإستدراك، مما يشير إلى حيوية العلم ومواكبات تطوراته ومناقشة مناهجه وطرائقه، وأن العلم كان ولا يزال عند المسلمين يتميز بحراسة أصوله وقواعده، فلا يمكن استمرار الجميع في خطأ لا