والذي يتأمل في هذه الروايات للحديث لا يجد تعارضا فيما بينها؛ فالإمام البخاري أخرج حديث سعيد بن أبي عروبة، ثم قال بعده: (تابعه حجاج بن حجاج، وأبان، وموسى بن خلف عن قتادة. اختصره شعبة). قال الحافظ ابن حجر: (أراد البخاري بهذا، الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ، وأن سعيد بن أبي عروبة تفرد به، فاستظهر له برواية جرير بن حازم بموافقته، ثم ذكر ثلاثة تابعوهما على ذكرها). وهذا بيان هذه المتابعات الثلاث: أما رواية حجاج فهي في نسخة حجاج بن حجاج عن قتادة: من رواية أحمد بن حفص، أحد شيوخ البخاري عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان، عن حجاج، وفيها ذكر السعاية. وأما رواية أبان بن يزيد العطار، فأخرجها أبو داود، والنسائي من طريقه قال: حدثنا قتادة، أخبرنا النضر بن أنس به. وأما رواية موسى بن خلف فوصلها الخطيب في (كتاب الفصل والوصل) من طريق أبي ظفر؛ عبد السلام بن مظهر عنه، عن قتادة، عن النضر به. وذهب البخاري إلى أن شعبة لم يذكر السعاية، لأنه اختصرها من الحديث. قال الحافظ ابن حجر في معرض مناقشة حجج من ضعف رفع الاستسعاء: (وضعفها أيضا الأثرم عن سليمان بن حرب، واستند إلى أن فائدة الاستسعاء ان لايدخل الضرر على الشريك؛ قال: فلو كان الاستسعاء مشروعا للزم أنه لو أعطا ٥ مثلا كل شهر درهمين، أنه يجوز ذلك، وفي ذلك غادة الضرر على الشريك، وبمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة). وقال ابن دقيق العيد، حسبك بما اتفق عليه الشيخان؛ فانه أعلى درجات الصحيح، والذين لم يقولوا بالاستسعاء تعللوا في تضعيفه بتعللات لا يمكنهم الوفاء بمثلها في المواضع التي حتاجون إلى الإستدلال فيها بأحاديث يرد عليهم فيها مثل ذلك التعليلات). ومن الذين أنكروا على من نفى رفع الاستسعاء ابن حزم (في المحلي) حيث قال: (وهذا خبر في غاية الصحة، فلا يجوز الخروج عن الزيادة التي فيه ...). أما من علل رواية سعيد بالاختلاط فلم يفقه، فإن البخاري، ومسلم لم يرويا لسعيد إلا من طريق من أخذ عنه قبل الإختلاط، وناهيك برواية يزيد بن زريع عنه؛ فإنه أثبت الناس فيه، ثم محل ذلك لو انفرد بروايته، فكيف وقد تابعه غيره من الحفاظ. ثم إن سعيدا أعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له؛ وكثرة أخذه عنه من همام، وغيره. وهشام وشعبة؛ وإن كانا أحفظ من سعيد، لكنهما لم ينافيا ما رواه، وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه، وليس المجلس متحدا حتى يتوقف في زيادة سعيد، فكثرة ملازمة سعيد له تجعله يسمع منه ما لم يسمع غيره. وقد أعجب الحافظ ابن حجر بصنيع ابن المواق في هذا الحديث؛ فلما ذكر وهم عبد الحق في الحديث قال: (وغفل عبد الحق، وتعقب ذلك ابن المواق فأجاد).