ووجه الاختلاف بين الحديثين؛ أنه في حديث أنس من رواية البخاري: (فانطلق ابن مسعود، فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد)، وقال شراح الحديث أن معنى (برد) مات. أما عند مسلم فله روايتان، إحداهما (برد) كما عند البخاري، وثانية -من رواية السمرقندي- (حتى برك)، بالكاف؛ أي سقط على الأرض. وحسب هذه الرواية لا اختلاف بين الحديثين، ولهذا قال عياض: (وهذه الرواية أولى، لأنه -أي أبو جهل- قد كلم ابن مسعود، فلو كان مات فكيف كان كلمه؟). ومنهم من حاول الجمع بين الحديثين بأن قال إن معنى (برد) أبي صار في حالة من مات، ولم يبق له سوى حركة المذبوح، فأطلق عليه باعتبار ما سيؤول إليه، ومنه قولهم للسيوف بوارد, أي قواتل، وقيل لمن قتل بالسيف برد؛ أي أصابه متن الحديد، لأن طبع الحديد البرودة، وقيل برد بمعنى فتر وسكن، يقال جد الأمر حتى برد، أي فتر، وعليه فالمعول عليه أن أبا جهل لم يمت بضربات ابني عفراء، بل الذي أجهز عليه هو ابن مسعود، وهذا يستفاد من جميع الروايات لهذا الحديث، إذ حتى من طريق الصحيحين فإن في تتمة الحديث عندهما ما يدل على هذا المعنى، وذلك في تكليم ابن مسعود لأبي جهل، وجوابه له. (أأنت أبو جهل؟ .. وهل فوق رجل قتلتموه؛) / خ، الفتح ح: ٣٩٦٢ - م ٣/ ١٤٢٤ ح: ١١٨. في حديث أنس من رواية مسلم جاء في آخره: (وقال أبو مجلز: قال أبو جهل: فلو غير أكار قتلني). هذا الجزء. من الحديث مرسل. انظر: المسند ١/ ٤٤٤ - مجمع الزوائد ١/ ٧٩ - ترجمة أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود في: ت. التهذيب ٥/ ٦٥ - الفتح ٧/ ٢٩٤ ... (٢) عفراء بنت عبيدة بن ثعلبة بن سواد بن غنم بن مالك بن النجار. وعفراء هذه لها خصيصة ليست لغيرها، فهي صحابية شهد سبعة من أبنائها غزوة بدر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، هم: معاذ، ومعوذ، وعوف، وإياس، وعاقل، وخالد، وعامر. والمقصود بابني عفراء: معاذ، ومعوذ. - الإستبصار في نسب الصحابة من الأنصار، ابن قدامة المقدسي ص: ٦١ - الإصابة ٤/ ٣٦٤ ترجمة ٧٢٨ - الفتح ٧/ ٢٩٤. (٣) في صحيح مسلم: (برك). (٤) الأكار: الفلاح أو الزراع، مأخوذ من الأكرة، وهي الحفرة بجانب النهر ليصفو ماؤها. - تفسير غريب الحديث، لإبن حجر ص: ١٨. (٥) مسلم: ٣/ ١٤٢٤ ح: ١١٨.