قلت: ليس في هذا النص ما يسعف لهذا الظن الذي ذكر ابن القطان، فأبو محمد بن حزم عقد مسألة استهلها بقوله: (وكل فسوق تعمده المحرم ذاكرا لإحرامه، فقد بطل إحرامه وحجه وعمرته؛ لقول الله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). (البقرة: ١٩٧) فصح أن من تعمد الفسوق ذاكرا لحجه أو عمرته، فلم يحج كما أمر، وقد أخبر عليه السلام: "أن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة"، وقال عليه السلام "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"). اهـ ثم ناقش أبو محمد. الحنفية في قولهم ببطلان الحج بالرفث، وعدم بطلانه عندهم بالفسوق، متعجبا من صنيعهم هذا .. ثم أورد حديث الباب لبيان لون من ألوان الفسوق -حج المرأة مصمتة- التي تبطل الحج، ويؤيد ما ذهبت إليه أن ابن حزم عطف على هذا الحديث حديثا آخر؛ رواه من طريق النسائي فقال: (وقد ذكرنا رواية أحمد بن شعيب عن نوح بن حبيب القومسي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الذين أحرم في جبة أن يجدد إحراما). قلت: وهذا الحديث سبق له أن احتج به في باب اللباس الذي يلبسه المحرم (المسألة: ٨٢٣)، وإنما أعاد ذكره هنا ليعزز حجته في القول ببطلان الحج بالفسوق كما يبطل بالرفث. والحديث المذكور ذكره ابن حزم مختصرا سندا ومتنا، أخرجه النسائي في المناسك، باب الجبة في الإحرام (ح: ٢٦٦٧). وختم أبو محمد كلامه في هذه المسألة بما يتوافق والسياق المتقدم، وذلك لإبطال مذهب خصمه؛ فقال بشأن من تعمد الفسوق حال إحرامه: (ولا سبيل لهم إلى أن يوجدوا عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - أن الفسوق لا يبطل الإحرام ..). - المحلى، لإبن حزم، كتاب الحج ٧/ ١٩٦ - المسألة ٨٦٤ - ييان الوهم والإيهام (١ / ل: ٦٤. أ). (٤) لم أجده في معجم ابن الأعرابي المطبوع. (٥) عبيد بن غنام بن القاضي حفص بن غياث، حدث عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله ابن نمير، وعنه أبو القاسم الطبراني، وأبو العباس بن عقدة، وتأليف أبي نعيم مشحونة بحديث ابن غنام، وهو ثقة، توفي سنة سبع وتسعين ومائتين. - سير أعلام النبلاء ١٣/ ٥٥٨.