لا يقال: إنه يمتنع، لأنه يقتضي بثبوت الحكم لا لسبب، أو بعلتين مختلفتين، ثم إنه يقتضي تقييد المسألة بما إذا كان له علتان - لأنا نمنع لزومه إذ يجوز أن يكون الحكم معلوما بالبقاء على العدم الأصلي، ثم إنه يعلل بمناسب يوجد بعد، وهو: كتعليل ولاية الأب على الصغير الذي عرض له الجنون - به، إذ الولاية ثابتة قبله.
[مسألة]
ما (إذا) استنبط من الحكم يجب أن لا يبطله بالكلية، لأنه فرعه فإبطاله له إبطال لنفسه. أما إن اقتضى تخصيصه، ففيه احتمالان: جوازه كتخصيص العلة، وعدمه، لأن المخصص مناف، والفرع لا ينافي أصله، وأما القياس: فالفرق يدفعه، وهو أن تخصيصها لا يبطل أصله.
مثاله: تعليل الحنفية وجوب الزكاة بدفع حاجة الفقيرمطلقا، فيجوز دفع القيمة، فإنه يرف وجوب الشاه بعينها، وهو الحكم المدلول عليه بصريح النص. لا يقال: استنبط ذلك من مثل قوله {وءاتوا الزكاة}[البقرة: آية ٤٣] لا من مثل قوله: (في كل شاة أربعين شاة شاة). فلم يرجع عليه بالإبطال.
قلت: فعلى هذا لا يجوز دفع القيمة، فيما يجب فيه شاة، أو بنت مخاض، ونحوه من المقدرات المعينة، على أن دفع الحاجة بقدر مخصوص من النصوص المطلقة غير ممكن.
[مسألة]
(قيل): المستنبطة يجب أن لا تكون مخصصة للكتاب والسنة المتواترة وهو بناء على أنه لا يجوز تخصيصهما بالقياس، وقد بينا صحته، وأن لا تكون معارضة لعلة أخرى، وهو فاسد، لأنها إن كانت راجحة فظاهر، وإن كانت مرجوحة فكذلك: لأن ذلك يمنع من العمل، لا من الاستنباط. وأن لا يكون متضمنا لإثبات زيادة على النص، وهذا بناء على أن الزيادة على النص نسخ، وقد عرف حيث يكون ناسخا، وحيث لا يكون. وأن تكون مستنبطة من حكم معلوم، وهو فاسد، إذ يجوز القياس على أصل ثبت حكمه بظني.
وأن يعلم وجوده في الفرع، وهو كذلك، إذ لا مزية لهذه المقدمة على غيرها، فجاز أن تكون ظنية كغيرها. وأن لا تكون مخالفة لمذهب الصحابي، وهو كذلك، إذ ليس بحجة، ولو سلم فيمتنع رجحانه على القياس المعارض له.