الاحتمال. وإن كان في كتاب واحد: فإن كان في موضعين: فهو على ما سبق. أو في واحد، فإن بذكر ما يدل على رجحان أحدهما، أو فرع عليه: فهو قوله، فإن قول المجتهد: هو ما يترجح عنده، وإلا: فإن ذكرهما في معرض الحكاية، فلايكونان له، وإلا: فهما له ظاهرا.
ثم الأمارتان إذا تعارضتا، ولم يجد المجتهد ما يرجح أحدهما بعد الطلب الشديد - فلا سبيل إلى الجزم بكونهما متعادلتين خارجا، لاحتمال إطلاعه عليه، ألعدم التنبيه لوجه دلالته عليه، بل قد يغلب على ظنه ذلك، فإن غلب كان حكمه حكم المتعادلين خارجا، وإلا كالمتعادلين ذهنا، فلا يتطرق إليه التخيير.
ثم من المعلوم: أن القولين إنما هو على البدلية، فليس له في الحقيقة إلا: قول واحد، وإنما يقال: له قولان - باعتبار البدلية تمييزا له عما له فيه قول بعينه.
وما قيل: إن إطلاق القولين يدل على التوقف، ولا قول للمتوقف فهو بناء على امتناع التعادل خارجا، وأن للتخيير ترجيحا لأمارة الإباحة بعينها. وإن نص على أحدهما دون الآخر، بل نقل عن نظريتها: فإن كان بينهما فرق يجوز أن يذهب إليه ذاهب - لم يكن قوله في تيك قوله في الأخرى، وإلا: فهو قوله فيها ظاهرا، وإنما قيد به لجواز الذهول عنها - إذاك.
وإن نقل القولان عن نظريتيهما: فالحكم فيهما على ما ذكرنا، وكذا حديث التاريخ. وأكثر أقوال الشافعي - رضي الله عنه - من القسم الأول.
ومما ذكر معه ما يرجع أحدهما، (وأما) على غيرهما - فلم يصح ذلك إلا: في سبع عشرة مسألة، على ما قاله الشيخ أبو حامد الأسفراييني - رحمه الله تعالى - وهما يدلان على رجحان علمه ودينه:
أما الأول: فلأنه يدل على اشتغاله بالعلم وطلبه الحق أبدا، والرجوع إليه، وترك التعصب لمهذبه.
وأما الثاني: فلأن من كان أغوص نظرا، وأدق فكرا، وأكثر إحاطة، بالأصول والفروع، وشرائط الاستدلال - كانت الإشكالات عنده أكثر، وكان التوقف به أجدر.
وأما دلالته على كمال الدين: فلأنه لما لم يظهر له في المسألة وجه الرجحان - لم يستنكف من الاعتراف بعدم العلم، ولم يشغل بالترويج والمداهنة، بل صرح بعجزه، ولهذا عد مثله من