(ح) العمل بالاجتهاد أكثر ثوابا، للمشقة فيه، وللحديث، ولأنه يظهر فيه إثر دقة النظر، وجودة الخاطر، فكان أولى به من أمته، واختصاصه بفضيلة الوحي لا يمنع من مشاركته في أخرى. لا يقال: إنه يقتضي أن لا يعمل الرسول إلا: به؛ لأن ذلك غير ممكن، إذ العمل بالاجتهاد مشروط بالتنصيص على حكم الأصل، فكان العمل به في كل الأحكام ممتنعا.
فإن قلت: مقتضى الدليل ذلك، لكن ترك العمل به فيه للإجماع، فيبقى فيه غيره على أصله، ولأنه وإن ترجح على الحكم بالوحي من "هذا الوجه لكن يرجح" ذلك عليه بوجه أخر، فلو اتصف به في الأكثر - لزم فوات تلك الفضائل في الأكثر، وهذا - وإن كان آت في أصل المشاركة لكن فيه فوات فضيلة نوعية راجحة بوجه ما مرجوحا بوجه آخر، وأنه أشد محذورا من فاته بالنسبة إلى أكثر الأفراد، ولهذا قد يشتغل الإنسان بفن مرجوح من العلم، مع اتصافه بفن منه راجح، كي لا يفوته ذلك النوع من الفضيلة، لكن لا يجعل دوام اشتغاله فيه، كدوامه بالراجح.
(ط)"العلماء ورثة الأنبياء"، وإنما يرثون منهم الاجتهاد، أن لو كان لهم ذلك، وتقييده بأركان الشرع، خلاف الأصل.