ثم قال الغزالي: المدارك أربعة: الكتاب والسنة والجماع والعقل، وإنما يشترط من الكتاب والسنة معرفة ما يتعلق بالأحكام، وهو قدر خمسمائة آية من الكتاب، والعلم بمواقعه، ليطلب منها عند الحاجة ويجب العلم بمواقع الإجماع، لئلا يفتي بخلافه. وطريقة: أن لا يفتي إلا: بما يوافق قول أحد المتقدمين أو يغلب على نه عدم خوضهم فيه.
والعقل: وهو البراءة الأصلية، فيعرفها ويعرف أنا متعبدون بها، عند عدم الثلاث. ولم يذكر القياس، فإن كان ذلك لكونه مستفادا من الكتاب والسنة فالإجماع والعقل كذلك.
وإن كان لعدم كونه مدركا، فكونه حجة ينفيه، فلا بد من معرفته ومعرفة شرائطه.
ولا بد مع هذه الأربعة من أربعة أخرى. اثنان مقدمان، وهما علما الحد والبرهان المسمى: بالمنطق، والنحو واللغة والتصريف، إذ الأدلة عربية، ولا يشترط في ذلك البلوغ إلى الغاية القصوى، ولا يكتفى بأول الدرجات. بل المعتبر بالدرجة الوسطى.
واثنان متممان، وهما علما (الناسخ والمنسوخ)، و (أسباب النزول)، و (الجرح والتعديل)، وأحوال الرجال، لما تعذر ذلك في زماننا، لطول المدة، وكثرة الوسائط، اكتفي بتعديل الأئمة الذين اتفقوا على عدالتهم. ولا يشترط علم الكلام - إن اكتفي فيه بالتقليد، إذ المقلد قد يتمكن من الاجتهاد، ولا يشترط معرفة جميع مسائله تقليدا، بل ما يصح به الإسلام.
ولا يشترط معرفة تفاريع الفقه، وإلا: لزم الدور. وعند هذا ظهر أنه لا بد فيه من أصول الفقه، وما تقدم من ولوازمه، دون غيره، وكل من كان نصيبه منه أوفر كان حظه من الاجتهاد أكمل، وأما ضبط القدر الذي لا تحصل رتبة الاجتهاد بدونه فمتعذر.
ثم صفة الاجتهاد قد تحصل في فن دون فن, بل في مسألة دون أخرى. خلافا لقوم.
إذ الغالب أن أصول كل فن إنما توجد فيه، فإذا عرفها تمكن من الاجتهاد، واحتمال شذوذ شيء منه نادر، لا يقدح فيه كالمجتهد المطلق، ولأنه لو لم يتجزأ لعلم الجميع.