كذلك وفاقا، وهو يدل على افتراقهما في الحكمة، لأن ذلك بسبب الحكم لا المحكوم فيه، بدليل أن منع الله تعالى من الاستضاءة والاستظلال - غير قبيح، وأكثر ما ينتفع به مباح في الشرع، فكذا هذا الفرد، إلحاقا له بالأعم والأغلب.
وأما الأصل الثاني: فلقوله - عليه السلام -: "لا ضرر ولا إضرار في الإسلام". وهو: ألم القلب، يقال: أضر به، وأضره، إذا ضربه أو شتمه أو جرحه أو أهانه، أو فوت منفعته، فيجعل حقيقة في مشترك بينهما دفعا للاشتراك والمجاز، والألم مشترك، فيجعل حقيقة فيه، إذ الأصلعدم مشترك آخر.
ونعني بألم القلب: حالة تحصل عند الغم والحزن، فإنهما إذا حصلا انعصر دم القلب في الباطن بانعصاره، وانعصاره مؤلم.
فإن قلت: تفويت المنفعة مشترك - أيضا - وجعله حقيقة فيه أولى، لأنه مقابلة. ثم إنه معارض بما أن من خرق ثوب غيره، ولم يشعر به: يقال: أضر به، أضره، ولا غم ولا حزن.
وأيضا - أخبر الله تعالى أن عبادة الأصنام لا تضرهم، لقوله تعالى:{أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم}[الأنبياء: آية ٦٦]. مع أنها تؤلم قلوبهم يوم القيامة.
ولأنه غير متبادر إلى الفهم عند سماعه.
قلت:
بمنع ذلك، إذ لا يوجد في صورة الشتم والإهانة، ثم إنه حاصل في البيع والهبة. ولا يقال: أضر به، وتوقيفه على شرط خلاف الأصل، على أن ذلك الشرط، أو عدمه من قبيل الحال، فينتقض بالهبة، ومقابلته به لا يضرنا، إذ النفع: هو اللذة، أو ما يكون وسيلة إليها، والضرر مقابلة.
وعن (ب) أن ذلك نظرا إلى وجود المقتضى له، وإن لم يوجد شرطه، وهو الشعور.
وعن (ج) أن الذي سلب عنه النفع والضر إنما هو الأصنام، والمؤلم عبادتها، فلم تدل على المطلوب، أو المراد نفي المضرة في الدنيا والإيلام في الآخرة.